للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعية المعاهدات:

المعاهدات في الإسلام مشروعة مع الأعداء التي ليس بيننا وبينها حرب، لقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} (١) .

وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (٢) .

ولقوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (٣) .

فهذه الآيات وأمثالها تدل على جواز عقد المعاهدات بين الدولة الإسلامية وغيرها، وعلى ضرورة الوفاء بها والالتزام بما تضمنته من موضوعات وتعهدات.

ولما روي أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاهد أهل مكة عام الحديبية على أن توضع الحرب عشر سنين، جاء في سنن أبي دواود عن المسود بن مخرمة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج عام الحديبية، وذكر الحديث بطوله وفيه ((هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو: على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض)) . (٤) . قال الصنعاني: "الحديث دليل على جواز المهادنة بين المسلمين وأعدائهم من المشركين مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام" (٥) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) (٦) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) (٧) .

وسواء أكانت معاهدات أو اتفاقيات أو أمانًا، أو صلحًا، فهذه الأدلة تشملها وتقع تحت عموم قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} .

يضاف إلى ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمان: ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) (٨) ، وقوله عليه الصلاة والسلام ((: ((أيما رجل من أقصاكم أو أدناكم، من أحراركم أو عبيدكم، أعطى رجلًا منهم أمانًا أو أشار إليه بيده، فأقبل بإشارته، فله الأمان حتى يسمع كلام الله، فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى فردوه إلى مأمنه، واستعينوا بالله)) )) (٩) والإجماع قائم على جواز المعاهدات، وطبيعة الحياة، ومنطق العقل السليم يقر اللجوء إليها تمكينًا للدعوة من الوصول إلى معانديها، أو حقنًا للدماء، أو نشرًا للسلم وإعطاء الفرصة للمسلمين لأخذ الحيطة والاستعداد.


(١) سورة النساء: الآيتان ٨٩، ٩٠
(٢) سورة التوبة: الآية ٤
(٣) سورة التوبة: الآية ٧
(٤) شرح سبل السلام على بلوغ المرام: ٤/ ١٠١
(٥) شرح سبل السلام على بلوغ المرام: ٤/ ١٠١
(٦) أخرجه البخاري، وروى مثله أبو داود والنسائي والترمذي
(٧) رواه أبو داود والبيهقي
(٨) رواه البخاري
(٩) الروض النضير: ٤/ ٢٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>