للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها:

(ج) المعاهدات العسكرية:

سبق أن بينا أن المعاهدة في الإسلام هي: عقد العهد بين فريقين على شروط يلتزمها كل منهم (١) . وأنها في القانون اتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من الأشخاص الدولية مِن شأنِه أن ينشئ حقوقًا والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي (٢) . أو أنها اتفاقات تعقدها الدول بغرض إيجاد علاقات قانونية بينها أو تعديلها، أو إنهائها (٣) . وأن هذه المعاهدات قد تكون تجارية أو غيرها.

غير أن من هذه المعاهدات ما هو عسكري، تعقد بين دولتين أو أكثر لغايات عسكرية كالدفاع عن أرض دولة أو مهاجمة دولة أخرى، أو لحماية الدولة من اعتداءات آخرين أو لدفع أذى إحدى هاتين الدولتين أو لأي مصلحة أخرى.

وهذه المعاهدات إذا كانت لصالح المسلمين وتحت راية المسلمين، فهي جائزة، وإن كان الأصل أن يكون المسلمون في دولة واحدة وخلافة واحدة، لكن عند انقسامات تحصل بين المسلمين كما حصل في دول الأمراء والسلاطين في ظل الخلافة العباسية أو عندما تعددت الخلافات الإسلامية إلى ثلاث: الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في مصر، والخلافة الأموية في الأندلس، أو في تعدد الممالك الإسلامية كدولة المماليك في مصر، ودولة المغول في شرق آسيا والهند، وكدولة الصفويين في فارس، ودولة العثمانيين في تركيا، إن كانت المعاهدات العسكرية بين دول الإسلام لدفع العدوان أو للجهاد في سبيل الله فمثل هذه المعاهدات جائزة شرعًا؛ لأنها تعاون على البر والتقوى ولتقوية المسلمين، وإن كانت للتعاون مع الأجنبي ضد المسلمين أو أي دولة من دول الإسلام؛ فالمعاهدة غير جائزة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تستضيئوا بنار المشركين)) ، والمعاهدات أو الاتفاقات في الإسلام يجب أن تخضع لأحكام الإسلام، فإذا خالفتها فليس لها إلزام على المسلمين بخلاف المعاهدات الدولية بين الدول الأخرى، فإنها تخضع لمبادئ القانون الدولي وأعرافه (٤) ، ومن هنا فإن الاتفاقات العسكرية التي تعقد بين المسلمين وغير المسلمين تنقسم إلى قسمين:

(أ) المعاهدات التي تعقد بين المسلمين وبين غير المسلمين لدرء خطر متوقع أو اتقاء ضرر محتمل ولا يمكن أن يدفع ذلك إلا بمعاهدة مع غير المسلمين، فيجوز ذلك شريطة أن لا يكون المسلمون تحت راية الكفر، أو أن يقاتلوا مع الكفار، أخوة لهم من المسلمين والدليل على ذلك عقد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعاهدة مع بني قريظة لاتقاء شر هجوم قريش الكافرة، وذهب إلى هذا الرأي الحنفية والشافعية، بشرط أن تكون الاستعانة على قتال المشركين لا البغاة وقالوا: إن ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ من رد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمشرك كان ذا جرأة ونجدة أراد أن يحارب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر، وقال له: ((ارجع فلن نستعين بمشرك)) منسوخ، بدليل استعانته ببني قينقاع، وقسم لهم من الغنيمة. واستعانته بصفوان بن أمية في حرب هوازن.

(ب) المعاهدات العسكرية التي تقضي على قوة المسلمين، أو تجعلهم يخضعون لحكم الأعداء، أو يقاتلون من أجل مصلحة الأعداء، أو لقتال المسلمين الآخرين، فهذه معاهدات غير جائزة، لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (٥) .

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٦) .


(١) شرح السير الكبير: ٤/ ١٥٤
(٢) القانون الدولي العام، للدكتور محمد عزيز شكري: ص ٣٦٩
(٣) القانون الدولي العام، لعلي صادق أبو هيف: ص ٥٢٦
(٤) يراجع كتاب الوثائق السياسية، لحميد الله
(٥) سورة المائدة: الآية ٥١
(٦) سورة المائدة: الآية ٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>