للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مراء في أن تنفيذ هذه المبادئ بإخلاص وإيمان صادق بها يجنب البشرية كثيرًا من المشكلات والأخطار، ويقضي على كل ألوان الاستغلال والامتهان لكرامة الإنسان , فلماذا مسكت الدول عن الإعراب عن رأيها فيه، وكأن هذا رفض منها له، وبخاصة أنها كانت حديثة العهد بحرب طاحنة كلفت البشرية الملايين من الأنفس والأموال؟

إن موقف الدول من هذا المشروع يدل على أن الرغبة الصادقة في السلام الدولي العادل لا تتوافر لدى بعض الدول، ولا سيما الدول الكبرى؛ لأنها لو شاءت قبوله لقادت الدول الصغرى إلى الموافقة عليه.

على أن ذلك المشروع في نصه على عدم استخدام القوة في المنازعات الدولية إنما يحاول وضع ميثاق الأمم المتحدة موضع التنفيذ، فقد جاء الميثاق بمبادئ جديدة كل الجدة في العلاقات الدولية، كمبدأ عدم استخدام القوة، ومبدأ الأمن الجماعي (١) .

وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي:

يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

كذلك نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من هذا الميثاق على ما يلي:

والغرض الأول من مقاصد الأمم المتحدة هو: حفظ السلام والأمن الدوليين وتحقيقًا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة والفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقًا لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. (٢) .

وهذا يعني أن الحرب التي كانت مشروعة في القانون قبل الحرب العالمية الثانية قد أصبحت محظورة بعد هذه الحرب من الناحية القانونية، ولكن البشرية ما زالت تصطلي بنار الحروب العدوانية في مختلف بقاع العالم، وما زال منطق القوة هو السائد في فض المنازعات بين الدول، وما زالت الدول الضعيفة أو الصغيرة تتعرض للإرهاب والضغط، وما زال الخوف من نشوب حرب عالمية ثالثة لا تدع حيوانًا ولا نباتًا إلا أتت عليه يسيطر على الجميع، ومرد هذا كله إلى الحضارة المادية المعاصرة التي جعلت الحياة صراعًا بين الدول من أجل الاستغلال والنفوذ , وإلى أن القوانين الوضعية مبتوتة الصلة بضمائر الساسة والقادة ولا تلقى منهم احترامًا أو تقديرًا، ولا ينزلون على أحكامها إلا إذا اقتضت مصلحتهم ذلك.


(١) القانون الدولي العام، للدكتور حسن الجلبي: ص ١٦٥، طبعة بغداد
(٢) انظر النسخة العربية من ميثاق الأمم المتحدة

<<  <  ج: ص:  >  >>