للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما دامت الحرب ليست أصلًا من أصول الإسلام، وليست غاية في ذاتها فإن أول ما يجب على المسلمين إذا ساروا إلى غيرهم هو البدء بالدعاء إلى الإسلام، وهذا الدعاء قد يكون (١) موجهًا لقوم لم تبلغهم الدعوة فيجب إعلامهم حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وقد يكون موجهًا لقوم بَلَغَتْهُم الدعوة، ودعاؤهم مرة ثانية أمر مطلوب، ففيه مبالغة في الإنذار بما ينفع، وإشارة إلى أن الإسلام يؤثر السلم على الحرب في تبليغ دعوته، فإذا استجاب هؤلاء طوعًا واختيارًا لما دعاهم إليه المسلمون فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن أبوا ولم يستجيبوا فإن على المسلمين أن يدعوهم إلى الدخول معهم في عهد وميثاق؛ ليصبحوا أهل ذمة لا يتعرض لهم في عقائدهم الدينية، ويتمتعون بكل حقوق الحماية والرعاية في مقابل ضريبة مالية يسيرة لا تجب إلا على الرجال البالغين الأصحاء القادرين ماديًّا، وذلك لغاية واحدة، وهو أن يأمن المسلمون لهؤلاء، فلا يظاهروا غير المسلمين على المسلمين، فإن أبوا أن يدخلوا مع المسلمين في عهد وميثاق فقد جاهروا بهذا الرفض بالعداء، وأعلنوا وقوفهم ضد رسالة التبليغ، فكان قتالهم في هذه الحالة لتحرير الناس من التسلط والقهر، ولتأمين طريق الدعوة إلى الله، روي عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم ... )) (٢) .


(١) انظر المبسوط، للسرخسي: ١٠ /٦
(٢) رواه مسلم وابن ماجه والترمذي، وانظر نيل الأوطار، للشوكاني: ٨/ ٥١، طبعة الدمشقي

<<  <  ج: ص:  >  >>