للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في شرح السير الكبير للإمام السرخسي: "إن الكفر وإن كان من أعظم الجنايات فهو بين العبد وربه جل وعلا، وجزاء مثل هذه الجناية يؤخر إلى دار الجزاء، فأما ما عجل في الدنيا ـ وهو قتال الكفار ـ فهو مشروع لمنفعة تعود إلى العباد". (١)

وما قاله الإمام السرخسي يشير إلى أن القتال في الإسلام ليس للإكراه في الدين، ولكن لتحقيق مصالح العباد بإنقاذهم من الطغاة المستبدين؛ حتى يكون الطريق أمام دعوة الله خاليًا من الأشواك والعقبات يسلكه من يشاء، ويعرض عنه من أبى.

وإذا كان القتال في الإسلام لدفع فتنة الكفر وشر الكفار فإنه لا يجوز قتال إلا هؤلاء الذين يمثلون الفتنة، ويمكنون للشر بالفعل أو بالقول، ولهذا لا ينبغي قتل النساء والأطفال والمجانين والذين لا يخالطون الناس وترهبوا في الأديرة وكذلك الشيوخ الفانين، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} .

وهؤلاء لا يقاتلون، فإذا شارك أحد منهم برأيه أو فعله في الحرب فقد أصبح مقاتلًا يجوز قتاله وقتله فيما عدا المعتوه ونحو فإن على المسلمين أخذه ومنعه من المشاركة في الحرب (٢) .

وكما جاء النهي عن قتل غير المحاربين جاء النهي أيضًا عن الغدر والمثلة وحمل الرؤوس وقطع الأشجار وتخريب الديار، وذبح المواشي إلا لضرورة إطعام الجند.

قال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في وصيته لجيش أسامة: "لا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له". (٣)

إن وصية الخليفة الأول تعبير عن مبادئ الإسلام وآدابه في الحرب، الحرب الإنسانية الخالصة لله، الحرب التي لا تعرف ظلمًا ولا قسوة ولا دمارًا، ولا غدرًا ولا غلولًا، الحرب التي تكفل حرية العقيدة للناس جميعًا، وتحمي أماكن العبادة لكل الديانات، إنها حرب العدل والرحمة والوفاء (٤) .


(١) شرح السير الكبير: ٣/ ١٨٢
(٢) شرح السير الكبير: ٣/ ١٩٤ ـ ١٩٧
(٣) انظر من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي، ص ٩٨، طعبة المكتب الإسلامي
(٤) انظر من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي: ص ٩٨، طبعة المكتب الإسلامي

<<  <  ج: ص:  >  >>