للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحرب إذا وضعت أوزارها وانتهت فإنها تنتهي بأحد أمرين: إما الصلح (١) , وإما النصر، أما الصلح فالعهود فيه محترمة، والوفاء بما تضمنته واجب {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (٢)

وأما النصر فهو انتصار الجماعة التي غضبت للحق، واستشهدت في سبيله فلن تفعل حين انتصارها إلا ما يوطد أركان الحق في الأرض، ويمنع البغي والفساد بين الناس: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٣) .

إن الانتصار نعمة تقابل بالشكر عليها، وذلك بإقامة شرع الله في دنيا الناس، شرع الطاعة الموصولة، والتعاون على البر والخير، ومكافحة الفساد والشر، وكفالة العدالة للجميع.

ومن إقامة شرع الله في الأرض احترام آدمية الإنسان، ومن ثم لا يلقى المهزوم عنتًا وإهدارًا لكرامته، فالفار لا يتبع، والجريح لا يذفف عليه بل يعالج ولا تساء معاملته، والأسير لا يقتل، ولا يكره بوسائل غير مشروعة للاعتراف بما لديه من معلومات عن العدو، ويخير ولي الأمر فيه بما يراه أوفق لمصلحة المسلمين (٤) , وأكثر انسجامًا مع العرف الدولي في شأن الأسرى، ما دام هذا العرف لا يتعارض مع المقررات الإسلامية في رعاية المصلحة العامة، وحماية العزة والكرامة، وتحقيق الوئام والسلام بين الناس.

وبهذا يتضح أن الحرب في الإسلام ضرورة، وأنها تخضع لقانون العدل والإنصاف واحترام آدمية الإنسان، وليست لإكراه الناس على الإيمان، وما يذهب إليه جمهور المستشرقين ومن سلك سبيلهم من الباحثين من أن الإسلام دين انتشر بالسيف زعم باطل يرده انتشار الإسلام في بلاد كثيرة لم تدخلها الجيوش الإسلامية، ثم انتشاره في العصر الحاضر في كل دول العالم.

إن الحرب في الإسلام حرب تعمير لا تدمير، وهي في جوهرها ترسي دعائم السلم الدائم بين الناس؛ لأنها تنقذهم من تجار الحروب، والطامعين في خيرات الشعوب، وأولئك الذين يكرهون سواهم على ما لا يبتغون.


(١) قد يكون الصلح موادعة أو هدنة مؤقتة أو دائمة أو عقد ذمة
(٢) سورة النحل: الآية ٩١
(٣) سورة الحج: الآية ٤١
(٤) انظر الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبلي الزحيلي: ٦/ ٤٧١، طبعة دار الفكر، دمشق

<<  <  ج: ص:  >  >>