للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى بعض المعاصرين (١) أن رأي الإمام أبي حنيفة أرجح من رأي الصاحبين وجمهور الفقهاء؛ لأنه ناط الحكم على الدار بأنها دار حرب بزوال أمن المسلمين فيها ويتوقع الاعتداء عليهم منها، وهذا يوافق الأصل في فكرة الحرب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداء، وحماية الضعفاء ونشر الأمن والسلام.

ويبدو ذلك من التقسيم أن الدار تكون دار إسلام بسيطرة المسلمين عليها وظهور أحكام دينهم فيها، فلا تحكم بغير ما شرعه الله، ولا يكون لغير المسلمين سبيل عليها، فإذا لم يتوافر لها الاستقلال والحكم بما أنزل الله فإنها لا تكون دار إسلام بالمعنى الصحيح.

ولا فرق بين دار العهد ودار الحرب إلا من حيث إن الأولى بينها وبين المسلمين معاهدة سلام، على حين لا يوجد هذا بالنسبة للثانية فكانت دار الحرب يتوقع منها الاعتداء في أي وقت، وهما عدا هذا دار واحدة تقابل دار الإسلام، فهما لا يعترفان بهذا الدين، ولا عبرة بما يكون من تفاوت في العقائد بين أهل دار العهد ودار الحرب، فهذا لا يؤثر في أنهما دار واحدة غير إسلامية.

وإذا كان الإسلام يحمي الحرية الدينية، ولا يكره أحدًا على الإيمان به فإن دار الإسلام قد تضم غير مسلمين، وهؤلاء قد يقيمون في هذه الدار إقامة دائمة، وقد يقيمون فيها إقامة مؤقتة.

والذين يقيمون إقامة دائمة في دار الإسلام هم أهل الذمة، وهم يتمتعون بهذه الإقامة؛ طوعًا لعقد يتم بناءً على توافق إرادتي ولي الأمر، ومن يرغب في الإقامة مع المسلمين، وبمقتضاه يحصل الذمي على جنسية الدولة الإسلامية، ويصبح رعية إسلامية له كل حقوق المواطنة في هذه الدولة وعليه من مقابل ذلك بعض الالتزامات والواجبات، ويجمعها الشرطان التاليان:

أولهما: أن يلتزم الذميون إعطاء التكليفات المالية على القادرين؛ لكي يسهموا في بناء الدولة، ويشتركوا في تكوين ميزانها المالي.

ثانيهما: أن يلتزموا أحكام الإسلام في المعاملات المالية، وفي الخضوع للعقوبات الإسلامية، ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. (٢)

قال السرخسي: "الذمي ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات". (٣) ، وجاء في مقدمة ابن رشد الجد: "ولا يجوز بين المسلم والذمي في التعامل إلا ما يجوز بين المسلمين". (٤) .


(١) انظر العلاقات الدولية في الإسلام: ص ٥٤
(٢) العلاقات الدولية في الإسلام: ص ٦٢
(٣) المبسوط: ١٠/ ٨٤
(٤) مقدمات ابن رشد: ٢/ ١٥٩، تحقيق سيد أحمد غراب، طبعة دار الغرب الإسلامي

<<  <  ج: ص:  >  >>