للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الذين يرتكبون ما يوجب عقوبة تعزيرية، وهي العقوبة غير المقدرة في الكتاب والسنة، ويتولى ولي الأمر تقدير العقاب فيها، أو يترك تقديرها للقاضي المختص، فهذه العقوبة في نظر بعض المعاصرين يصح أن تدخل في ضمن حصانة الممثلين السياسيين، وحجته أن تقديرها من حق ولي الأمر، فيجوز له أن يدع العقاب عليها لدولة الممثل أو الرسول. ولكن ما الذي يضمن أن تطبق دولة المممثل هذه العقوبة، وهل تطبيقها سيكون وفقًا لأحكام الله؟

إن التفاوت بين القوانين وكذلك التفاوت في النظر إلى أنواع الجرائم والعقوبات يمكن أن يجعل ما هو جريمة في دار الإسلام ليس بجريمة في غير هذه الدار، وأن يكون العقاب مختلفًا في حالة وحدة الجريمة في الإسلام والقوانين الوضعية، ولهذا أرجح الرأي الذي يذهب إلى أن الحصانة القضائية لا ينبغي أن تكون على حساب شرع الله، وأن العرف الدولي لا ينبغي أن يكون حاكمًا على هذا الشرع، وإنما يجب أن يكون محكومًا به. (١)

ويبدو من الحديث عن غير المسلمين في دار الإسلام أنهم جميعًا سواء لا فرق بين ذمي ومستأمن في وجوب تطبيق أحكام الشريعة عليهم فيما يتعلق بالمعاملات المالية والحدود، والفرق بينهما أن الذمي أمانه مؤبد أو يحمل جنسية الدولة الإسلامية على حين أن المستأمن أمانه مؤقت وليس رعية إسلامية، وبديهي أن هذا كالذمي في التمتع بالحرية الكاملة فيما يدين به دون أن يكون في هذا فتنة للمسلمين.

هذا ما يتعلق بالعلاقات الإسلامية بالنسبة لغير المسلمين في دار الإسلام.

أما دار العهد أو الموادعة فإن أول فقيه إسلامي تحدث عنها هو الإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت: ١٨٩هـ) الذي كتب في العلاقات الدولية الإسلامية كتابة علمية جامعة لم يُسبق بها، وذلك أن كل من كتب قبله من الفقهاء في موضوع السير كانوا يتحدثون عن دار الإسلام ودار الحرب فقط، وكانت العهود تبرم إما بين المسلمين وأهل الذمة الخاضعين لهم، أو بينهم وبين الحربيين المستأمنين، ولكن الإمام الشيباني تحدث (٢) عن دار لا تخضع لحكم المسلمين فأهلها إذن ليسوا بأهل ذمة، ثم هم دخلوا مع المسلمين في عهود موادعة ومسالمة فخرجوا بهذا عن أن يكونوا حربيين.


(١) انظر العلاقات الدولية في الإسلام: ص ٧٣
(٢) انظر المبسوط: ١٠/ ٨٥؛ وشرح السير الكبير: ٤/ ١، وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>