للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان بين الفقهاء اختلاف حول الأسباب التي تدعوا إلى موادعة غير المسلمين فإنه مهما تكن الظروف التي تدفع بالمسلمين إلى مسالمة سواهم فإن العلاقة بينهم وبين أهل دار الموادعة تقوم على احترام العهود المكتوبة وغير المكتوبة إلى أقصى حد، وعدم الغدر والخيانة مطلقًا، والتعاون المتبادل في كل شيء إلا فيما يكون سببًا لتقوية غير المسلمين من السلاح ونحوه فإن على المسلمين ألا يمكنوا غيرهم موادعين أو حربيين من الحصول على ما يزيدهم قوة وبأسًا (١) .

والكلام في وجوب احترام العهود والتحرز عن الغدر مع الموادعين ذو شجون، وتكفي الإشارة إلى أن الفكر الإسلامي الدولي قد شقق القول في هذا الموضوع على نحو إنساني (٢) بديع أبرز سمو النظرة الإسلامية في معاملة غير المسلمين، وأن هذه النظرة تفردت بقيم الأخوة والمساواة والعدالة والفضيلة.

وأما غير الموادعين الذين ليست بينهم وبين المسلمين حرب فعلية ولا تربطهم بالمسلمين رابطة ما فإنهم ما داموا لا يؤذون المسلمين ولا يحرضون على إيذائهم فإن العلاقة التي تربط المسلمين بهم تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها العلاقة بين المسلمين والموادعين من الإحسان إليهم والبر بهم، وتبادل المنافع معهم إلا فيما يكسبهم قوة ومنعة، وإذا أردنا السير إليهم لتبليغهم دعوة الإسلام فلا بد من إعلامهم وعدم الاعتداء عليهم أو الغدر بهم وأخذهم على غرة (٣) . وقد بينت في الكلام عن الحرب في الإسلام ما يجب على المسلمين من القيام به نحو هؤلاء الذين ساروا إليهم قبل أن يشهروا السلاح عليهم، ويدخلوا معهم في قتال وجهاد.


(١) انظر شرح السير الكبير: ٣/ ٧٥، ١٧٧، ٢٧٦
(٢) انظر شرح السير الكبير: ٤/ ٧
(٣) انظر شرح السير الكبير: ٣/ ١٠٩، و ٤/ ١٦، ٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>