للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ج) أصول العلاقات الدولية الإسلامية:

يتضح بجلاء من الحديث عن الحرب في الإسلام وأنواع الديار أن نظرة الإسلام إلى غير المسلمين لا تعرف العداء والتعصب والاستعلاء، وإنما تقوم على التسامح والتعاون والإخاء واحترام العهود والوفاء بها مهما تكن الظروف والأسباب , وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (١) .

فهاتان الآيتان تلخصان الدستور الإسلامي في العلاقات الدولية. وهو دستور يقوم على السلم ويؤثر المودة على العداوة، حتى مع من عادوه ما ضمن كفهم من الاعتداء، استحياء للمودة الإنسانية، وتوثيقًا للروابط البشرية، فقبل الآيتين قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

والحاصل أن أصول العلاقات الدولية الإسلامية تقوم على ما يلي:

أولًا ـ المساواة بين الناس:

يقرر الإسلام أن الناس جميعًا أمة واحدة وأن المساواة بينهم في الكرامة الإنسانية وفي المسؤولية، مصدرها وحدة النشأة ووحدة المصير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (٢) .

وما دامت المساواة حقيقة لا مراء فيها؛ لأنها ترجع إلى هذا المصدر الواحد، ((فكلكم لآدم وآدم من تراب)) .

فإن كل الأبحاث والدراسات التي يقوم بها علماء الاجتماع والأجناس وغيرهم ممن يصنفون الناس تصنيفًا عرقيًّا، وما يتمخض عن هذا التصنيف من أن يكون لبعض الناس من الامتيازات ما ليس لغيرهم، ليست عملًا علميًّا صحيحًا، لأنه غفل عن الأصل الذي يرجع إليه الجميع، وأن ما بينهم من تفاوت أيًّا كان لونه لا يعني على الإطلاق تقسيمًا عرقيًّا يجعل منهم طبقات يستعبد بعضها بعضًا.

إن النزاعات العرقية، أو ما يسمى بالتفرقة العنصرية قد جلبت على البشرية في الماضي والحاضر الويلات والمشكلات، والإسلام بمبادئه التي تقرر المساواة في الإنسانية بين الناس جاء لإنقاذ البشرية من تلك النزاعات الفاسدة، وبين أن التفاوت في الألوان والألسن والطاقات ليس سبيلًا لاستعلاء الأقوياء، وامتهان الضعفاء، فهذا التفاوت آية من آيات الله في خلقه، ومظهر من مظاهر حكمته في كونه، ووسيلة من وسائل الابتلاء لعباده، {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (٣) .

ثانيًا ـ السلم أصل العلاقة بين الناس:

يتفرع على تقرير مبدأ المساواة، وأنه لا طائفية ولا عنصرية ولا مفاضلة بالألوان والأجناس والأوطان وإنما بتقوى الله والعمل الصالح، قيام العلاقة بين الناس على المحبة والمودة والسلام والوئام، لأن معنى المساواة يفقد مدلوله إذا لم يلغ كل أسباب الاستغلال والامتهان لكرامة الإنسانية.

إن خلق الناس من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبًا وقبائل من أجل أن يتعارفوا ويتعاطفوا ويتعاونوا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٤) .

وبذلك كان السلم هو العلاقة الطبيعية بين الشعوب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (٥) .


(١) سورة الممتحنة: الآيتان ٨ و٩
(٢) سورة النساء: الآية ١
(٣) سورة الروم: الآية ٢٢
(٤) سورة الحجرات: الآية ١٣
(٥) سورة البقرة: الآية: ٢٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>