للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا ـ الحرب من أجل السلام:

إذا كان الإسلام قد قرر أن أصل العلاقة بين الناس السلم، فإن هذا لا يتعارض مع إذنه بالحرب وحضه على الجهاد، فالحرب التي أباحها أو التي شرعها هي في جوهرها حماية للسلم، وتمكين له في دنيا الناس، إنها حرب إنسانية لا تقر إذلال الشعوب، ولا تسعى لنهب الأموال؛ لأنها حرب في سبيل الله، حرب تدافع عن العقيدة والحرية والسلم.

وبون شاسع بين حرب تنصر الحق، وتقاوم الشر، وبين حرب تبغي الفساد في الأرض {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (١) .

ولأن الحرب الإسلامية حرب حقٍّ وخيرٍ كانت لهما قيمها ومبادئها التي تلتقي مع مهمتها في تحقيق السلام والذود عنه.

رابعًا ـ العدالة:

يحرم الإسلام الظلم في كل صوره وأشكاله ويأمر بالعدل مع الأصدقاء والأعداء في كل الأحوال {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (٢) .

فالعدل في الإسلام حق لكل إنسان بوصفه إنسانًا دون تفرقه بين مؤمن وكافر وصديق وعدو وقريب وغير قريب {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (٣) .

فالقرابة قد تضعف الإنسان حين يقف موقف الشاهد أو القاضي فلا يعدل في قوله أو حكمه، ولذا ينبه القرآن إلى هذا مؤكدًا دعوته إلى قول الحق والعدل ومراقبة الله وحده، فهو أقرب إلى المرء من حبل الوريد.

وإذا كان من العدل أن نرد الاعتداء بمثله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (٤) .

فإن الإسلام كما تنص الآية الكريمة لا يجعل رد الاعتداء بمثله أمرًا مطلقًا، بل يقرن به تقوى الله، ومن هنا يكون العدل في الإسلام عدلًا إنسانيًّا رحيمًا لا يعرف التشفي، ولا يمتهن الكرامة والفضيلة، ولا ينزل إلى مستوى الهمجية والوحشية، ولو كان غيرنا قد هبط إلى هذا المستوى، ومن أجل ذلك كان الإسلام دين القوة، قوة الإيمان، والأبدان، والإنتاج، والإعداد للجهاد حتى نرهب أعداء الله، وأعداء الحياة، ونكون دائمًا أباة حماة، أذلة على أنفسنا أعزة على غيرنا.


(١) سورة النساء: الآية ٧٦
(٢) سورة المائدة: الآية ٨
(٣) سورة الأنعام: الآية ١٥٢
(٤) سورة البقرة: الآية ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>