للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا

بين الإسلام والتشريعات الوضعية

إن الموازنة العلمية بين أصول العلاقات الدولية في الإسلام والتشريعات الوضعية من خلال الحديث عنها فيما سبق يمكن أن تعطي النتائج التالية:

أولًا: إن أصول هذه العلاقات في الإسلام بعيدة كل البعد عن الطائفية والعنصرية وتحترم الإنسان لذاته لا لجنسه أو لغته أو عقيدته، فالناس جميعًا أمة واحدة، متساوون في الحقوق والواجبات، وواجب القوي نحو الضعيف المعاونة والمساعدة لا التحكم والإذلال، ومن ثَمَّ كانت أصولًا تحقق السلام العالمي بين البشر تحقيقًا عادلًا لا يعرف المحاباة وعدم الإنصاف.

أما قواعد القانون الدولي في صورته الراهنة ـ على الرغم من تطور الفكر القانوني، وتطلعه نحو أفق رحب من الإنسانية والعالمية ـ فإنها لا تستجيب لمبادئ المساواة بين مختلف البشر من غير تمييز بين أديانها وأجناسها وألوانها.

ويلاحظ أن انقسام العالم انقسامًا سياسيًّا بين المذاهب الرأسمالية والشيوعية والحيادية قد ساعد من جديد على ظهور الطائفية في نطاق القانون الدولي، وبدأت ظواهر هذه الطائفية في التكتلات الدولية الحديثة (١) .

ثانيًا: أصل العلاقة بين الناس هو الأخوة والسلم والألفة والمودة والتعاون على البر والتقوى، هذا ما قرره الإسلام ودعا إليه وحذر من التفريط فيه. وإذا كان هذا الدين قد أباح الحرب فإنه أباحها فقط لدفع الظلم ورد العدوان وتأمين البلاغ إلى الله، فهي لذلك حرب إنسانية لا تعرف الهمجية أو الوحشية ولا تقوم من أجل استغلال الشعوب وامتهان كرامتها.

أما قواعد القانون الدولي فقد انتهى أخيرًا إلى نبذ الحرب في فض المنازعات الدولية وقد كان هذا بسبب الدمار المروع الذي تعرضت له البشرية في الحرب العالمية الثانية، ومع هذا فإن ما انتهى إليه القانون لا يعبأ به ولا يلقى من الدول الرعاية والتقدير، وما زالت الحرب القانون الذي يلجأ إليه في المشكلات الدولية، وما زالت القاعدة التي تعيش عليها وهي: القوة، تخلق الحق وتحميه وتضع حدًّا لكل نزاع هي المُعَوِّل عليها في إنهاء الخلافات بين الأمم على الرغم من وجود المنظمة الدولية وجمعيتها العامة، وما تصدره من قرارات.


(١) انظر القانون الدولي في وقت السلم، للدكتور حامد سلطان: ص ٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>