للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: ترتبط أصول العلاقات الدولية الإسلامية ارتباطًا وثيقًا، فهي جزء منها لا يكمل الإيمان إلا بها، ومن هنا تلقى من الدولة والأفراد في المجتمع الإسلامي كل الاحترام والإقناع الذاتي بها.

أما القوانين الوضعية ـ ومنها القانون الدولي ـ فإنها مبتوتة الصلة بعقائد الأفراد والدول، ولا تلقى الاحترام غالبًا بدافع ذاتي، ويزداد الأمر بالنسبة للقانون الدولي أنه غير ملزم في رأي بعض الفقهاء (١) ، وأنه يحول بين أطماع الدول السياسية والاقتصادية، وهي أطماع لا يردعها غير القوة الحربية، وليس ما يجري في العالم في العصر الحاضر من عدوان على الضعفاء إلا دليلًا ملموسًا على أن القانون الدولي لا يلقى ـ مع قصوره ـ الاحترام والصدق في تطبيق قواعده.

وإذا نظرنا إلى المعاهدات بين الدول فإننا نجد أن الإسلام يدعو إلى الوفاء بها ورعاية شروطها، ويحذر أبلغ الحذر من الغدر والدخل فيها، وينهى عن الأخذ بمبدأ مصلحة الدولة في نكث العهود، وذلك كله تحقيقًا لمبادئ العدالة ونشر السلام بين الناس.

ولكن الأمر بالنسبة للعرف الدولي يختلف كل الاختلاف، فالمعاهدات لدى هذا العرف وسيلة القوي ينال بها من الضعيف، وهي لا تعدو أن تكون قصاصة ورق يمكن نكثها قبل أن يجف مُداها، ففي مطلع القرن الميلادي الحالي اتفقت بعض الدول على حياد بلجيكا، وأرادت ألمانيا أن تمر بجيوشها من الأراضي البلجيكية حتى تحارب فرنسا، ورفضت بلجيكا ذلك، واحتجت إنجلترا على تصرف ألمانيا وأنذرتها بالحرب إذا لم تعدل عن خرق حياد بلجيكا، وقال المستشار الألماني في رده على إنجلترا: " إنه من الهول ما تنويه حكومة جلالة الملك البريطاني، ومما يعز علي أن أتصور جلالته قابلًا دخول حرب مراعاة لقصاصة ورق يسمونها معاهدة، واتفقا على حياد أرض". (٢) .

فالمعاهدات قصاصات ورق لا قيمة لها إذا تعارضت مع مصلحة الدولة والمصلحة هنا تشمل الغزو والاحتلال، وهذا يؤكد أن قواعد القانون الدولي ـ وهي تحض على المحافظة على المعاهدات ـ مبتوتة الصلة بضمائر الأفراد والجماعات.


(١) انظر آثار الحرب في الفقه الإسلامي، للدكتور وهبة الزحيلي: ص ١٠
(٢) انظر قيام الحرب في الإسلام، للأستاذ جمال الدين عياد: ص ٣٧، طبعة القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>