للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ ـ الحق: فيقيم الإسلام هذه العلاقة على هذا المبدأ العظيم الذي يقوم عليه أمر هذه العلاقة، فلا يسمح للباطل أن يتسرب إليها؛ لأن الباطل يتبعه مفاسد أخرى في علاقة الإنسان بغيره.

فالتصورات الباطلة، والعقيدة الفاسدة تقسم الناس على معايير ظالمة لا أساس لها من الحق والواقع، فمن هذه المعايير الباطلة: أن يميز الفكر البشري إنسانًا على آخر على أساس جنسه ـ مثلًا ـ كما حدث في الفكر الروماني الذي نظر إلى الجنس الروماني على أنه جنس مقدس، وما عداه فليسوا إلا عبيدًا له، وكذلك الحال مع الجنس الآري، وامتد هذا الباطل وهذا الفساد لنجد له صدى لدى ورثة الفكر الروماني واليوناني من الأوروبيين والأمريكيين حيث تقسم الجنسيات تقسيما يتفق مع التقسيم السابق في درجات الجنسيات، ولم تسلم من هذه النظرة الباطلة الديانات التي عبثت فيها أيدي البشر، فاليهود ـ مثلا ـ في مقولاتهم التي ابتدعوها بهذا المنطق الباطل يرون أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم شعبه المختار، وما عداهم فإنهم من الأميين الذي يستباحون في كل شيء.

ومن العناصر الباطلة كذلك أن يقسم الناس على أساس بيئي أو قومي، فالذي ينتمي إلى أثينا ـ مثلا ـ انتماء أصيلًا كان يمثل العنصر السيد، ومن ينتمي إليها انتماء يقل عن ذلك يعد من الأجانب الذين لا يتمتعون بحقوق الطبقة الأولى.

ومنها اعتبار اللون أساسًا لهذا التقسيم الباطل فلا يسند هذا التقسيم واقع تشريعي، ولا نتائج لبحوث تفيد أن اللون يكسب الإنسان خصائص معينة.. وعلى هذا الأساس الباطل وجدنا من آثار الفكر البشري الوضعي التفرقة بين البيض والسود، بل بين البيض والملونين ـ قديمًا وحديثًا ـ إلى صورة مزرية، يسقط فيها الفكر البشري عندما يغلف بالباطل هذا التقسيم، فيقول "منسكيو": "حاشا لله أن يجعل في هذا البدن الأسود ذي الأنف الأفطس روحًا".

ومن هذه العناصر الظالمة التي لا سند لها ـ كذلك ـ من عقل نجد أرسطو الذي لقب بالمعلم من قبل الفلاسفة يبرر تقسيم البشر تبريرًا يدل على اتباع الهوى في الفكر فيرى: إن الله خلق الناس من فصيلتين: فصيلة مزودة بالعقل والإرادة، وفصيلة مزودة بالأجساد، ومقتضى هذا التقسيم أن الفصيلة الأولى تفكر، والفصيلة الثانية تنفذ، وامتد هذا الفكر السقيم لنجد أثره لدى الأوروبيين الذين يقسمون العالم هذا التقسيم بين عالم متقدم يمثل عالمه، وعالم متخلف، وقد يلقب تواضعا بالعالم النامي، فالعالم المتقدم هو الذي يفكر ويرسم السياسات، ويضع البرامج الاقتصادية، بل يفصل القيم الخلقية، وعلى العالم الآخر أن يستجيب وأن ينفذ وليس له أن يفكر، فضلًا عن أن يصدر فكرا، وهذا النظر الباطل يفسر لنا ظاهرة الإعراض العام من قبل هؤلاء عن التفكير في المبادئ التي يحملها أبناء هذا العالم المتخلف على الرغم من أنها وحي الله تعالى، ولا دخل بها للبشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>