وإذا أردنا أن نلقي نظرة على الفترة الفاصلة بين عصر صدر الإسلام وقرننا الأخير، وجدنا أن الاختراق الثقافي والحضاري والسلوكي المنحرف، قد زاد عنفًا وقوة حتى تحول إلى تيار عرم، وذلك كلما اتسعت النقاط التي ينفذ منها بالتدريج.
إن المتتبع لفترة القرنين الثالث والرابع الهجري مثلًا، يجد ـ إلى جانب الثراء العلمي والأدبي وغيرهما ـ حالة منحطة جدًّا على المستويات السياسية والاجتماعية والأخلاقية على الأقل في الطبقات العليا من المجتمع.
فههنا صراع عنيف بين العنصريات (العربية والفارسية والتركية وغيرها) ، وهناك تقاتل وتناحر بين الطوائف الإسلامية يذكيه ذوو الأطماع، وهناك اختلاف في المستويات الاقتصادية صارخ، فبين أن تزف عروس للخليفة ببغداد من مصر، وتصرف عليها من الأموال ما يزلزل الخزينة المصرية بكاملها، وبين أن يظل عالم كبير يئن من الجوع والفقر، ولا تنجيه إلا صدقة من حاكم مترف.
وعلى أي حال، فلنعبر هذه العصور المتمادية إلى عصرنا الأخير.
فكما تجمعت قوى ثلاثة في الصدر الأول ضد الثورة الإسلامية الكبرى الأولى، وهي:
(أ) ـ المترفون والمستغلون.
(ب) ـ الجاهلون العقائديون المتعصبون.
(جـ) الحاقدون على الشعوب.
نجد أن هذه القوى تجمعت من جديد ـ وبشكل أكثر ضراوة وأدق تخطيطًا ـ على الأمة الإسلامية اليوم، بل وزادت من قدرتها ونشاطها عندما واجهت الثورة الإسلامية المباركة في إيران، وما تركته من آثار على إيقاظ الشعوب، وتحريك الجيل الإسلامي ـ اليوم ـ نحو تطبيق الإسلام الأصيل، بعيدًا عن التشويه والتحريف.