يتجسد في عملية فرض التعالي الحضاري للثقافة الغربية، كي تكون هي المثل الأعلى للأمة الإسلامية، فتنساق باتجاه الغرب بشكل طبيعي، خصوصًا بعد أن تنجح عملية التفريغ السالفة.
وقد استغلت هذه العملية الثانية مختلف الوسائل لتحقيق هدفها. منها:
أولًا: التطور العلمي، ذلك أن المسلمين، بعد أن وضعوا أسس التقدم العلمي، وكانوا هم السباقين في طرح الطريقة التجريبية في الحياة الطبيعية، تخلفوا عن الركب العلمي، في حين راح الغرب ـ وخصوصًا عبر نهضته الصناعية ـ يطور العلوم ويسير بها سجحًا، حتى بلغ بها شأوًا عظيمًا، الأمر الذي أدى من جهة إلى نتائج مادية محسوسة كبرى، ومن جهة أخرى، ترك آثارًا تشكيكية ضخمة أيضًا، على مجموع الأفكار والنظريات حتى تلك التي ما كان الشك ليطاولها من قبل، وعلى أي حال، فقد كان هناك تقدم علمي رائع، وإن لم يواكبه تقدم حضاري مطلوب.
وقد واجه الغرب العالم الإسلامي بنتائج نهضته العلمية مع حملة دعائية واسعة، تركز على أن هذا التقدم العلمي، هو في الواقع نتيجة نهضة عقلية وحضارية كبرى، الأمر الذي يستلزم أن يتجه معه العالم الإسلامي، إلى نفس الوجهة الغربية حتى يحصل على نفس النتائج.
وراحت الدعاية الغربية تعمل عملها، ونسي أبناء العالم الإسلامي ما صاحب هذا التقدم من وحشية وبربرية، وجشع، وانحطاط خلقي وإنساني مقيت.
ثانيًا: الشعارات البراقة: فقد وجد الغرب أن الاحتفاظ بأعماله الوحشية وطرحها على حقيقتها، أمر لا يساعده في تحقيق مآربه، ومن هنا بدأت أكبر عملية ابتزاز وتسابق، في طرح الشعارات المحببة أصلًا إلى القلوب العامة. وهكذا رحنا نجد سوق المزايدات ملأى بشعارات (الحرية، والديمقراطية، والإرادة الإنسانية، والاشتراكية، والعدالة، والتحرر الوطني , والاستقلال، والتقدم، وحقوق الإنسان، وأمثال ذلك ... ) . وقد ساعده على الإغراء، أن هذه الشعارات وجدت لها ـ أحيانًا ـ بعض المصاديق، الأمر الذي خدع الكثير من أبناء الأمة، وجعل الغرب في عينيه المثل الأعلى.
هذا في حين كان الواقع الغربي مليئًا بالعنصرية، والوحشية، والجشع، والسعي لبسط النفوذ وقهر الشعوب الضعيفة، وامتصاص دمائها.
وهذا ما سنراه بعد قليل، عند حديثنا عن الأسلوب الثالث.
ولكن قبل الانتقال إلى الحديث عنها، يجب القول إن العوامل التاريخية، وحالة الانحطاط التي أصابت أبناء الأمة، وما شاع فيها من أخلاق العزلة، والبعد عن الواقع، والتفكك، هذه العوامل شكلت عاملًا مساعدا قويًّا في مجال الانخداع بالأحابيل الغربية. وإلا فأي فكر سليم، وأي استقرار للتاريخ العربي والشرقي، وأي تمعن في طاقات الإسلام وثروته الموروثة، يوضح الأمر بشكل جلي ليس عليه غبار؟ ! ورحم الله من قال: إن القابلية للاستعمار هي أشد ضررًا من الاستعمار نفسه.