للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

الغزو الفكري ماضيه وحاضره

إن عداوة اليهود المشركين، ومن على شاكلتهم من المبشرين والمستشرقين للإسلام والمسلمين قائمة منذ فجر التاريخ، فقد عادوا رسالات الله التي جاءت كلها بالإسلام، وتآمروا على رسل الله الذين حملوا إليهم هذه الرسالات، وقتلوا الأنبياء الداعين للإسلام، وعبدوا العجل وغيره من الأصنام، وآمنوا بالجبت والطاغوت، واتبعوا ما تتلوا الشياطين، وحرفوا كتاب الله تعالى وبدلوه، وكتبوه بأيديهم واشتروا به ثمنًا قليلًا، وكفروا بأنعم الله تعالى الظاهرة والباطنة، وبدلوا قولًا غير الذي قيل لهم، وعصوا أوامر الله تعالى واعتدوا على حدوده وحرماته، وظل حالهم كذلك حتى بعث الله تعالى خاتم النبيين والمرسلين محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فازدادت عداوتهم وأفصحوا عن حقدهم، فكانوا ـ رغم علمهم به ـ أول كافر به، ولم يكتفوا بكفرهم، بل شنوا على المؤمنين به حملات العداء والتشهير، ووضعوا أيديهم في أيدي المشركين والنصارى لمهاجمة الإسلام ورسوله وكتابه وكل من آمن به، وصدق الله العظيم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (١) .

وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى ما قام به اليهود والنصارى ضد الإسلام ورسوله وأصحابه، من كفرهم به، وصد الناس عن الإيمان به، ومحاولات تشويهه والنيل منه، وشن الحروب على أهله، ونقض العهود معهم، وتدبير المؤامرات ضدهم، وخيانة الأمانات إلى غير ذلك؛ يقول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (٢) .

ويقول: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (٣) .

فهذا عن كفرهم بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن، أما عن صدهم عن سبيل الله وعن الإيمان , فمنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (٤) .

وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (٥) .

وأما عن تلبيس الحق بالباطل فيقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (٦) .


(١) سورة المائدة: الآية ٨٢
(٢) سورة البقرة: الآية ١٠١
(٣) سورة البقرة: الآية ٨٩؛ قال السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد، أو عكرمة، عن ابن عباس أن يهودًا كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمة: يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك , وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه. فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو الذي كنا نذكر لكم، فأنزل الله: [وَلَمَّا جَاءهُم كِتَابٌ مِّن عِندِ اللهِ ... ] الآية، لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي، هامش المصحف الشريف بتفسير الشيخ حسنين مخلوف
(٤) سورة النساء: الآيتان ٥١ و ٥٢
(٥) سورة آل عمران: الآية ٩٩
(٦) سورة آل عمران: الآية ٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>