للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل حاولوا مع المسلمين أن يردوهم إلى الكفر بعد الإيمان، وفي سبيل ذلك كان بعضهم يدخل الإسلام أول النهار ويكفر آخره ليحذو حذوه المسلمون، يقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (١) .

وقال سبحانه: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (٢) .

روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم. فأنزل الله فيه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} إلى قوله: {وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . (٣)

هذا قليل من كثير مما كان عند اليهود والنصارى من العداوة للإسلام والقرآن والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين.

وقد استمرت هذه العداوة تتنامى وتتضاعف بمرور السنين حتى لبست أثوابًا جديدة في العصر الحديث، وتجلت فيما يعرف الآن: بالغزو الفكري الذي يصوب سهامه المسمومة إلى أغلى ما يعتز به المسلمون من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الدكتور دراز رحمه الله: "ومن تتبع أنواع المجادلات التي حكاها القرآن عن الطاعنين فيه رأى أن نسبتهم القرآن إلى تعليم البشر كانت هي أقل الكلمات دورانًا على ألسنتهم، وإن أكثرها ورودًا في جدلهم هي نسبته إلى نفس صاحبه، وهذا الرأي هو الذي يروجه الملحدون اليوم باسم "الوحي النفسي" زاعمين أنهم بهذه التسمية قد جاءوا برأي علمي جديد وما هو بجديد، وإنما هو الرأي الجاهلي القديم لا يختلف عنه في جملته ولا تفصيله، وهكذا كان الإلحاد في ثوبه الجديد صورة منسوخة بل ممسوخة من الماضي في أقدم أثوابه، وكان غذاء هذه الأفكار المتحضرة في العصر الحديث مستمدًا من فتات الموائد التي تركتها تلك القلوب المتحجرة في عصر الجاهلية الأولى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (٤) .

وقبل أن نتناول هذه السهام الحديثة نقف وقفة قصيرة مع هذا الغزو الحديث نتعرف من خلالها على تاريخه وأهدافه وأنواعه وأساليبه.


(١) سورة البقرة: الآية ١٠٩
(٢) سورة آل عمران: الآية ٧٢
(٣) لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي , هامش المصحف الشريف بتفسير الشيخ حسنين مخلوف والآيات من سورة آل عمران الآيات ٧١ ـ ٧٣
(٤) سورة البقرة: الآية ١١٨؛ وانظر النبأ العظيم، د. محمد عبد الله دراز: ص ٦٧ هامش

<<  <  ج: ص:  >  >>