للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاريخ الغزو الفكري:

عرفنا أن الحملة على الإسلام ومصادره قديمة، منذ بزغت شمسه، أما الغزو في ثوبه الجديد، فقد بدأ بعد فشل الحروب الصليبية، وذلك أن الصليبيين لما خسروا المعارك الحربية ضد الإسلام وأهله، ولم يتمكنوا من الاحتفاظ ببيت المقدس، فكروا في حروب أخرى للقضاء على الإسلام الذي هو سر قوة المسلمين ومصدر توجيههم فلجأوا منذ ذلك الوقت إلى الغزو الفكري، يقول غاردنر: "لقد خاب الصليبيون في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي ... " ثم يقول: "والحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير الإسلام"، أما ليفونيان فيرى ـ وهو على حق ـ "أن الحروب الصليبية كانت أعظم مأساة نزلت بالصلات بين المسلمين والنصارى في الشرق الأدنى، لقد أحب الصليبيون أن ينتزعوا القدس من أيدي المسلمين بالسيف ليقيموا للمسيح مملكة في هذا العالم، إنهم لم يستطيعوا أن يقيموا تلك المملكة، ولكنهم تركوا بعدهم العداوة والبغضاء، خابت دول أوروبا في الحروب الصليبية الأولى من طريق السيف، فأرادت أن تثير على المسلمين حربًا صليبية جديدة من طريق التبشير (١) .

وكان "ريمون لل" الأسباني أول من تولى هذا الغزو التبشيري، فقد استطاع في عام ١٢٩٩م، أن يحصل على إذن من الملك يعقوب صاحب أرغونة ليبشر في مساجد برشلونة محتميًا بالسلطة المسيحية في أسبانيا، ثم جال في بلاد الإسلام وناقش علماء المسلمين في بلاد كثيرة" (٢) .

وظلت عمليات التبشير تتنامى وتتكاثر وتتكون لها جمعيات ومؤتمرات عالمية كما يذكر ذلك "أدوين بلس" في كتابه "ملخص تاريخ التبشير" من مثل مؤتمر القاهرة ١٩٠٦م برئاسة "زويمر" وكتابه "العالم الإسلامي اليوم"، ومؤتمر "أدنبرج" التبشيري ١٩١٠م، ومؤتمر لكنو التبشيري في الهند ١٩١١ (٣) .

أما عن الاستشراق وهو الجناح الثاني من أجنحة الغزو الفكري، فقد بدأ منذ دقت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوروبا، وتحققت لهم السيادة العالمية في شتى المجالات، فبدأ الأوروبيون الذين كانوا غارقين في ظلام العصور الوسطى يبحثون عن أسباب نهضة المسلمين، وبدأ بعض رجال الكنيسة يدرسون اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وزادت هذه الدراسات وكثر الاهتمام بها في أعقاب فشل الحروب الصليبية، ولما قامت النهضة الأوروبية، وتفتحت أنظار الأوروبيين إلى استعمار البلاد العربية والإسلامية ـ وهذا هو الجناح الثالث للغزو ـ كثر اهتمام الأوربيين بالدراسات الشرقية الاستشراقية فشجعوا عليها وفتحوا لها أقسامًا خاصة في جامعاتهم، وبدأوا يعقدون المؤتمرات والجمعيات، وينشرون التقارير والمجلات، وبدأت هذه الأعمال الاستشراقية تحقق ثمارها ونتائجها في مهاجمة الإسلام وتشويهه والنيل منه، فالتقت في ذلك مع التبشير وأعمال المبشرين، وتضافرت معها، ومن أشهر المستشرقين: المستشرق الإنجليزي جب، والفرنسي ماسينيون، والإنجليزي مرجليوت، والمجري جولدزيهر، والألماني بروكلمان، وغيرهم كثيرون (٤) .


(١) انظر: التبشير والاستعمار، خالدي وفروخ: ص ١١٥
(٢) التبشير والاستعمار: ص ١١٥
(٣) انظر: أجنحة المكر الثلاثة، عبد الرحمن حبنكة: ص ٢٨ ـ ٥٤
(٤) انظر: التبشير والاستعمار: ص ١١٥؛ وأجنحة المكر الثلاثة: ص ١١٥؛ وانظر أيضا الفكر الإسلامي الحديث: ص ٤٤٧ ـ ٤٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>