ويذكر الدكتور محمد البهي أن الغزو الفكري بدأ بعد الحرب الصليبية، وذلك أن الاحتكاك في هذه الحروب على مدى قرنين جعل الصلييبيين يقفون على أمرين هما: عقيدة الإسلام في قوتها وضعف المسلمين في مجتمعهم، وسعة ما يملكون من ثروة في بلادهم ,فبدأوا بعد الفشل في الحرب يعدون أنفسهم ويرسمون خططهم انتهازًا لزيادة ضعف المجتمع الإسلامي وتفككه، والاستفادة من ثروته، وأعقب هذا الاتصال الاقتصادي نفوذ سياسي ثم استعمار عسكري منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وقد استخدم هذا النفوذ السياسي والعسكري للتنفيس عن الهزيمة الصليبية في الحروب الماضية، وعن الحقد الصليبي على بقاء بيت المقدس في ظل السيادة الإسلامية يقول:
فكيف يستمر للغرب نفوذه السياسي على الشرق الإسلامي؟
وكيف يبقى تخلف المسلمين؟ وكيف تنفس النفس الصليبية عن حقدها؟
ليس له ـ الغرب ـ هنا طريق آخر لتحقيق هذه الغاية سوى تناول "مادة التوجيه" المحلية وجعلها غير صالحة، ولم يكن هناك في توجيه الشرق الإسلامي سوى "الإسلام" والتراث الإسلامي الذي خلفه المسلمون في شرح إسلامهم، فإفساد الإسلام والتراث الإسلامي إذن غرض أول للمستعمر الغربي (١) , وهذا ما سنبينه في الفقرة التالية.