للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء العلماء يعترفون بوجود: (الغزو الفكرى) ، وينبهون على مخاطره التي تعددت، وتكاد تحيط بالمجتمعات الإسلامية.

وهؤلاء العلماء: يرفضون دعوى (الوطن الحضارى الواحد لعالمنا المعاصر) ودعوى (الحضارة العالمية الواحدة) لهذا الوطن الواحد، ويقدمون بديلًا لها دعوى أن عالمنا هو أقرب ما يكون إلى (منتدى عالمى لحضارات متميزة) وأن الأمم المستضعفة حضاريًّا، لابد لها من النضال الحضارى، ضد نزعة التفرد والهيمنة، التي تمارسها الحضارة الغربية المتغلبة – بالاستعمار القديم والجديد – على غيرها من الحضارات..

فالتعددية لا الواحدية هي الحقيقة الممثلة للواقع الحضارى، في الواقع الذي نعيش عليه, ومن ثم فإن هناك حالات لتعدى (الحدود الحضارية) تمثل (غزوًا فكريًّا) لا شك فيه. (١)

وهذا التصور يؤيده واقع حياة الشعوب، فالذين يعايشون حياة الشعوب، والأمم ذات الحضارة الغنية والتاريخ القديم، والتراث العريق،.. أو يغوصون في تراث هذه الأمم وفلسفتهاو مذاهبها، وتقاليدها وأعرافها.. يدركون أن عالمنا به – حقًّا – أمم متعددة، تتميز كل منها بشخصيتها القومية والحضارية المتميزة.

وإننا إذا نظرنا في مذاهب هذه الأمم وأعرافها، وفى معايير الحلال والحرام والمشروع والممنوع لدى أبنائها، وفى موازين الأذواق، والحاسة الجمالية، وفى تصوارتها لمكان الإنسان من الكون، وتصوراتها لمصيره بعد الموت، وتصوراتها الفلسفية لهذا الكون، وما وراء المادة والطبيعة.. إذ نحن نظرنا إلى مذاهب هذه الأمم، في هذه القضايا الأمهات أدركنا السمات التي تمايز بينها – جنبًا إلى جنب – مع سمات تشترك فيها، فتجمع بينها. (٢)

ولا يخفى أن الباحث الذي يسبر أغوار المواريث الفكرية لهذه الأمم، ويتتبع خيوط هذا التمايز الحضارى يجد أنها تضرب بجذورها في أعمق أعماق التاريخ.. حيث كان البابليون والآشوريون الفينيقيون والمصريون وغيرهم ممن أسهموا في الفكر الإنسانى، وكان لهم تمايز حضارى (٣)


(١) انظر الدكتور محمد عمارة، الغزو الفكري وهم أم حقيقة: ص٨
(٢) انظر الدكتور محمد عمارة، الغزو الفكري وهم أم حقيقة: ص ٩.٨
(٣) راجع: الدكتور أحمد السايح، أضواء على الحضارة الإسلامية، ص ٧٨، طبعة دار اللواء بالرياض، ١٤٠١هـ، ١٩٨١م

<<  <  ج: ص:  >  >>