للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب الغزو الفكرى

أولا – العداء الصليبى للإسلام والمسلمين:

والباحثون يدركون أن أوروبا اكتشفت الفكر الإسلامى في مرحلتين من مراحل تاريخها، فكانت مرحلة القرون الوسطى، قبل وبعد (توماس الإكوينى) (١) تريد اكتشاف هذا الفكر، وترجمته.. من أجل ذلك إثراء ثقافتها. بالطريقه التي أتاحت لها فعلًا تلك الخطوات، التي هدتها إلى حركة النهضة منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادى، وفى المرحلة العصرية والاستعمارية فإنها تكتشف الفكر الإسلامي مرة أخرى، لا من أجل تعديل ثقافى، بل من أجل تعديل سياسى، لوضع خططها السياسية مطابقة لما تقضيه الأوضاع في البلاد الإسلامية من ناحية أخرى، ولتيسير هذه الأوضاع طبق ما تقتضيه السياسات في البلاد الإسلامية (٢) .

ويذكر المؤرخون أن الجيوش الأوروبية الصليبة لما هاجمت بلاد الإسلام كانت مدفوعه إلى ذلك بدافعين:

الدافع الأول: دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في شعوب أوروبا مفترين على المسلمين أبشع الافتراءات، محرضين النصارى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدى الكفار – أي المسلمين – فكانت جمهرة المقاتلين من جيوش الصليبين من هؤلاء الذين أخرجتهم العصبية الدينية من ديارهم عن حسن نية وقوة عقيدة إلى حيث يلاقون الموت والقتل والتشريد، حملة بعد حملة، وجيشًا بعد جيش.

والدافع الثانى: دافع سياسى استعمارى، فلقد سمع ملوك أوروبا بما تتمتع به بلاد المسلمين من حضارة وثروات فجاءوا يقودون جيوشهم باسم المسيح، وما في نقوسهم إلا الرغبة في الاستعمار والفتح، وشاء الله أن ترتد الحملات كلها مدحورة مهزومة (٣)

ويكاد يكون معروفًا أن أوروبا شنت حملات صليبية على الشرق الإسلامى، وقد بدأت الحروب الصليبية منذ منتصف القرن الحادى عشر، واستمرت حتى نهاية القرن الثالث عشر أي ما يقرب من مائتى وخمسة وعشرين عامًا في ثمانى حملات من الحملات المدججة بالعدد والمعدات، ويصف كاهن مدينة (لوبوى ريموند واجيل) سلوك الصليبين حينما دخلوا على القدس، فيقول: (حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقطعت رؤوس بعضهم فكان أقل ما أصابهم , وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوه) (٤)

وروى الكاهن نفسه خبر ذبح عشرة الآف مسلم في مسجد عمر – رضى الله عنه – يقول في هذا: (لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، فكانت جثث قتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدى والأذرع المبتورة تسبح وكأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها. فإذا ما اتصلت زراع بجسم لم يعرف أصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلًّا بمشقة) (٥) .

ويذكر التاريخ أن الحملة الصليبية عند دخولها بيت المقدس في ١٥ مايو عام ١٠٩٩ م قد ذبحت أكثر من سبعين ألف مسلم حتى سبحت الخيل إلى صدورها في الدماء، وفي أنطاكية قتلوا أكثر من مائة ألف مسلم.

فالأمر خطير، إنه حقد الشر على الحق، والرذيلة على الفضيلة، وعداوة الشرك للتوحيد، وخصومة الضلال للهدى (٦) .

وقد صمدت الأمة الإسلامية في وجه هذه الحروب الوحشية التي سلبت ونهبت، وقتلت وفتكت.


(١) توماس الإكوينى ولد سنة ١٢٢٦م وتوفى سنة ١٢٧٤م، ويعتبر من أعظم الفلاسفة واللاهوتيين في العصر المدرسى المسيحى. منحته الكنيسة الكاثوليكية لقب القديس.
(٢) مالك بن نبى، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامى، ص ٨، طبعة دار الإرشاد، بيروت ١٩٦٩م
(٣) الدكتور مصطفى السباعى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامى، ص ١٨٧، ١٨٨ طبعة دار الكتب الإسلامى، بيروت ودمشق ١٣٩٨هـ١٩٧٨م
(٤) انظر: د. غوستاف لوبون. حضارة العرب: ص ٢-٤، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية ١٩٤٨م
(٥) لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي: ١/ ٦٠، ترجمة نويهض
(٦) راجع نادية شريف العمري، أضواء على الثقافة الإسلامية: ص ١٦٤، طبعة مؤسسة الرسالة، ١٤٠٦ هـ بيروت

<<  <  ج: ص:  >  >>