للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد مضي أكثر من قرنين من حروب دامية اشتد وطيسها بين كتائب الإيمان وبين جحافل الشر، ارتدت الحروب الصليبية، وقد باءت هذه الحملات بالإخفاق والهزيمة، فالقديس (لويس التاسع) قائد الحملة الصليبية الثامنة، وملك فرنسا، وقع أسيرًا في مدينة (المنصورة) في مصر , ثم خلص من الأسر بفدية، ولما عاد إلى فرنسا، أيقن أن قوة الحديد والنار لا تجدي نفعًا مع المسلمين الذين يملكون عقيدة راسخة تدفعهم إلى الجهاد، وتحضهم على التضحية بالنفس، وبكل غال.

إذن: لابد من تغيير المنهج والسبيل، فكانت توصياته: أن يهتم أتباعه بتغيير فكر المسلمين، والتشكيك في عقيدتهم وشريعتهم، وذلك بعد دراستهم للإسلام لهذا الغرض، وهكذا تحولت المعركة من ميدان الحديد والنار إلى ميدان الفكر (١) ، لأن القضاء على الإسلام أو تحويل المسلمين عن دينهم لا يمكن أن يأتي عن طريق القوة المادية، والغزو المسلح.

ولقد بدأت حركة (الغزو الفكري) من منطلق ضرب المسلمين عن طريق الكلمة بعد هزيمة الحروب الصليبية – كما وجههم (لويس التاسع) – والعمل على ترجمة القرآن والسنة وعلوم المسلمين للبحث عن الثغرات التي يدخلون منها إلى إثارة الشبهات، وقد أعلنوا صراحة أن الإسلام هو عدوهم الأول، وأن أكبر غاية لهم هي ضرب وهدم قواعده (٢) .

لقد فشلت الحروب الصليبية من الوجهة الحربية.. لكن بقي (الغزو الفكري) ينفث سمومه، ويثيثر الشكوك، وبقيت النزعة الصليبية تتوارى خلف ستار من الدبلوماسية والرياء السياسي تحرك ما تريد تحريكه، وتقف خلف الغزو الفكري بكل ما لها من قوة وعلم..


(١) إبراهيم النعمة، الإسلام أمام تحديات الغزو الفكري: ص ١٢
(٢) أنور الجندي، المد الإسلامي في القرن الخامس عشر الهجري: ص ١٢٦، طبعة دار الاعتصام بالقاهرة، ١٩٨٢م

<<  <  ج: ص:  >  >>