للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد اشترك الاستعمار الغربي والجهد التبشيري والحقد الصليبي في حرب المسلمين، وتشتيت تراثهم، ونهب ديارهم، يخيم عليهم سحابة سوداء من البغضاء والكراهية، يتمثل هذا فيما حدث في العام ١٩١٨ م عندما دخل اللورد اللنبي القدس، وأعلن: (الآن انتهت الحروب الصليبية) كان هذا القائد يعبر عن الروح الأوروبية، الروح الصليبية التي ظلت متوهجة في أعماقهم طوال تلك الحقب، وبنفس الحقد الذي صدر عن الجنرال الإنجليزي، كان مسلك الجنرال الفرنسي (غورو) قائد الجيش الفرنسي في دمشق حين ذهب إلى قبر صلاح الدين، بعد أن جاءه راكبًا سيارة مكشوفة، وترجل إلى القبر، وقال قولته المشهورة: (نحن هنا يا صلاح الدين) وفي اليوم التالي عمل الشئ نفسه في حمص، حيث ذهب إلى قبر (خالد بن الوليد) – رضي الله عنه – وقال: (نحن هنا يا خالد) (١) .

هذا الحقد والضغن والمقت كان سببًا قويًّا في الإغارة على المسلمين، بشتى الأساليب والطرق والأشكال والألوان، وما زالت تلك الموجة تعلو وتشتد وتمتد ثقافيًّا وفكريًّا؛ لتخريب قواعد الإسلام والأخلاق الإسلامية وإشاعة الأفكار والتيارات الهدامة (٢) ، وشغل الأمة الإسلامية، بكل ما هو هامشي في حياتها، حتى لا تدرك اليقظة الواعية، ولا تنتبه إلى ما يحاك حولها.

لقد وجد الغربيون، أن خير طريق لغزو العالم الإسلامي وإخضاعه، هو سلوك الغزو الفكري، فوضعوا الخطط، وحاكوا المؤتمرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية، وعلى كل ماله صلة بالإسلام حضارة وثقافة، وصارت قاعدتهم التي ارتكزوا عليها: (إذا أرهبك عدوك فأفسِد فكره ينتحر به، ومن ثم تستعبده) وانطلقت الصيحة إلى ضرورة نقل المعركة من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والمعرفة (٣) فأغاروا على حضارة الإسلام وثقافته سعيًا وراء هدم عقائده وأفكاره، ونشر الأفكار الغربية بديلًا عنها.


(١) انظر: الدكتور توفيق الواعي، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٧٠٧. وانظر كذلك: نجيب الكيلاني، الإسلامية والقوى المضادة: ص ١٤٢، طبعة مؤسسة الرسالة، ١٤٠٧ هـ
(٢) راجع الدكتور توفيق يوسف الواعي، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٧٠٧
(٣) انظر: عز الدين الخطيب التميمي وآخرين، نظرات في الثقافة الإسلامية: ص ٣٣. وراجع عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، أجنحة المكر الثلاثة: ص ١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>