للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهداف الغزو الفكرى

لا يمكن أن يتصور عاقل أن الحرب بين الإسلام وأعدائه قد وضعت أوزارها, ولا يمكن أن يتصور عاقل أن أعداء الإسلام قد سكتوا عن الإسلام بعد أن تحالفوا ضد أهل الإسلام فغلبوهم وجعلوا منهم أممًا بعد أن كانوا أمة, وفرقًا بعد أن كانوا وحدة. ولا زال أعداء الإسلام يدبرون لحربه كل يوم وسيلة. ويحشدون للوقوف في وجهة كل يوم قوة، وليس خطر الكلمة والفكرة بأقل من خطر الجندى والسلاح في المعركة الضارية التي يشنها أعداء الإسلام على الإسلام وأهله.

إن هؤلاء الأعداء قد سكتوا عن حرب الجنود والأسلحة، ليشنوا حرب التشويه والتخريب للإسلام: منهجه وتاريخه ورجاله وتراثه ولغته وقرآنه وتحالفوا وتآزروا وابتكروا حديث الوسائل، وخبث التيارات والأساليب, فغزوا المسلمين في قلوبهم، وأفكارهم، وأخلاقهم، وأزيائهم, وشنوا على العالم الإسلامي من الغارات مالا يخفى أمره (١) .

وإن أخص صفات عصرنا هي أنه ينتج من الأفكار بقدر ما ينتج من الأشياء، وليس من الضرورى أن نتطلب من الأفكار المنتجة أن تكون نافعه دائمًا كالأشياء فإن المجتمعات التي تصدر إلينا أشياء الحضارة، ترى في الأفكار سلعة ينبغى أن تتغير كل يوم كما تتغير طرز الأشياء، ولذلك يقف مثقفونا مبهورين أمام موجات الفكر الوارد من الخارج، ماذا يأخذون وماذا يدعون؟ بل قل: ماذا يقرؤون، ماذا يترجمون؟ ولا شيء أكثر من هذا يكفيهم أن يستطيعوا ملاحقة الأفكار، دون أن يكون عليهم أن يواجهون أو ينقدوها , فهم إلى أن يصوغوا نقدًا معينًا لأحد الاتجاهات الجديدة نسبيًّا يكون الوقت قد فات، وتقاوم بمرور الزمن ما ينقدون, وغطت عليه أفكار أخرى أشد لمعانًا وأكثر جاذبية وإشعاعًا.

ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي هدف ثمين من أهداف تصدير الأفكار، نظرًا إلى موقعه وخطورة موقفه، ليبقى هذا العالم مفتقرًا إلى الدول المصدرة وليحال بينه وبين أفكاره الأصيلة التي يمكن أن تغنيه عن الاستيراد.

وسوق الأفكار أخطر أسواق المنتجات، أكثرها تقبلًا للتزييف والإفساد, ومن ثم حفلت أسواقنا بما هو أشد فتكًا من السموم، وأعظم انتشارًا من الهواء, يتخلل كل خلية وينخر في كل بناء, أفكار ترتدى أثوابًا أو تحمل شعارات، أو ترفع مشاعل, ليس الثوب فيها أو الشعار أو المشعل إلَّا قناعا يستر الزيف الخطر (٢)


(١) انظر: الدكتور على عبد الحليم محمود، الغزو الفكرى والتيارات المعادية للإسلام: ص ٦.٥
(٢) انظر: الدكتور عبد الصبور شاهين، مقدمه كتاب الإسلام يتحدى وحيد الدين خان: ص ٩.٨، طبعة المختار الإسلامى، ١٣٩٧هـ، الطبعه السابعة، القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>