وقد لا يكون المرء مجانبًا للصواب إذا قال: إننا إذا لم نتصد للتيار الاستشراقي بكل قوة فسوف نتعرض للانسلاخ والذوبان لا محالة , والمعركة بين الاستشراق والإسلام معركة فكرية هائلة، جند لها المستشرقون كل المعاول التي تحاول أن تهزم المسلمين وتبعدهم عن إسلامهم.
وإن الإنسان الذي يتابع النشاط الاستشراقي قد يلحظ بوضوح أن هذا النشاط يمثل قمة التحدي للفكر الإسلامي، وقد يكون معروفا لدى الباحثين:(أن التيارات الفكرية الأجنبية القديمة التي كانت تمثل تحديا للإسلام، والفكر الإسلامي الأصيل، في عصور الإسلام الزاهرة – كانت حافزًا للمسلمين، في تلك الأيام الخوالي للوقوف أمامها بقوة وصلابة (١) .
وقد رأى الإمام الغزالي في عصره أن التيارات الفلسفية يتردد صداها في الأرجاء وأنها تصول وتجول في تحد سافر للفكر الإسلامي والمسلمين , فلم قف الغزالي موقف المتفرج ولم يسب ويشتم ويصرخ ويولول، ولم يرغب أن يترك الأمر ويقول: لا شأن لي به، ولكنه عزم على خوض المعركة, فأعد العدة، واتخذ لها الأدوات من العلم والمعرفة بما عند هؤلاء.
وقد رأى أن يتقن الفلسفة ويتفرغ لقضاياها ويتعرف على مقاصد الفلاسفة، واستطاع في دقة وإتقان أن يخرج كتابه:(مقاصد الفلاسفة) , وكان ما قام به هو الخطوة الأولى في منهج المواجهة للفكر الفلسفي، ثم جاءت الخطوة الثانية بعد ذلك، بالكشف عما في (مقاصد الفلسفة) من تناقض للفكر، ومخالفة للمنطق والعقل، وتعثر في المقاصد، فكان كتاب (تهافت الفلاسفة) يمثل قمة المواجهة.
(١) الدكتور محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري: ص ١٢٤