للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستطاع بهذا المنهج النقدي أن يواجه المعركة، ويخوض غمارها، في قوة ودقة، ويقول الغزالي معبرًا عن ذلك المنهج: (ثم إني ابتدأت – بعد الفراغ من علم الكلام – بعلم الفلسفة، وعلمت يقينًا: أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أهل ذلك العلم، ثم يزيد عليه، ويجاوز درجته، فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من غوره وغائله، وإذ ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقًّا، ولم أر أحدًا من علماء الإسلام، صرف عنايته وهمته إلى ذلك) (١) .

وإذا كان الغزالي، قد استطاع أن يواجه الفكر الفلسفي في عصره، فإن الأمر بالنسبة للاستشراق يحتاج إلى جهود أفراد ومؤسسات، فمكتبات العالم مليئة بإنتاج المستشرقين، وبشتى اللغات الإنسانية، وهناك عشرات المجلات ومئات المؤسسات التي ترعى الاستشراق، وتعمل لخدمة المستشرقين، وهناك أيضًا آلاف العلماء والباحثين من المستشرقين الذين يتفرغون لبحوثهم ودراساتهم , وهناك المؤتمرات الاستشراقية العالمية التي تعقد حسب الحاجة في العواصم العالمية.

ولقد كان لحركات الفكر الاستشراقي منذ القرن الثامن عشر قوة دفع ورواج واستقطاب، أثارت اهتمام رجال الفكر الإسلامي، بما كتبه المستشرقون عن الإسلام في الكتب والمجلات والموسوعات، وعن مصدرية الأساسيين: القرآن الكريم والسنة النبوية، وعن النبي الذي بعثه الله بهذا الدين الحنيف (٢) ، ومواجهة التحديات الاستشراقية، ضرورة لابد منها، إن كنا نريد الحفاظ على عقائدنا التي جاء بها الإسلام، وكنا نريد الحفاظ على ذاتيتنا وشخصيتنا , ومواجهة الاستشراق في مجال العقيدة الإسلامية وغيرها يحتاج – كغيره – إلى بذل جهود صادقة ومخلصة لرد هذه الطعون المفتراة، حتى لا يأتي زمن نجد أنفسنا فيه بألسنة غير ألسنتنا، نردد ما يقوله المستشرقون دون وعي أو دون أن نحس أننا مسلمون لنا عقائدنا وشخصيتنا.


(١) الإمام الغزالي، المنقذ من الضلال: ص ٩٢، تقديم الدكتور عبد الحليم محمود، طبعة دار الكتاب اللبناني، بيروت ١٩٨٥ م
(٢) الدكتور التهامي نقرة، القرآن واالمستشرقون: ص ٢١، من كتاب (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية – الجزء الأول) طبعة مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض ١٩٨٥ م

<<  <  ج: ص:  >  >>