للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصمات الإسلام على الفكر الإنسانى.

ولقد ترك الإسلام بصماته في كل مجالات المعرفة الإنسانية، فلم يكتف بالنقل، ولم يرض بحفظ الأسفار وحملها كالحمار، بل محص المعرفة الإنسانية فميز غثها من سمينها، ووضعها على موازينه، موازين عقيدته الصافية، فلم ينبهر ببهرجتها، ولم يقع في حبائلها، بل نقدها نقد العارف الفنان الواثق بنفسه، فتناولها علماؤه بالشرح والبيان ونموها وزادوا عليها فابدعوا على ربط الروح بالمادة ومزج الدين بالفكر وتوجيه المجتمع الإسلامي في إطار ينتظم الأخلاق والقيم الدينية في إنسجام وتناسق وتعاون وتكامل بين الدين والدنيا، وبين الحياة العاجلة المرحلية والحياة الآجلة الأبدية.

الإسلام منهج كامل للحياة البشرية:

فالإسلام نظم جميع نشاطات الإنسان في حياته الروحية والأخلاقية كما في حياته الاجتماعية والسياسية. (لم يتطلب الإسلام قناعة ببعض الحقائق فحسب، بل فرض مجموعة من الفرائض التي تحكم في التنظيم الزمنى لأمة المؤمنين، على هذا الوحى استندت حياة المسلم، ومن حوله انتظم – منذ حقبة قديمة – العالم الإسلامي الإمبراطوري وحضارته (١) .

(فالإسلام إذن لم يكن دينًا بالمعنى المحدود، أو المعنى اللاهوتى الصرف، ولم يكن ولن يكون ممثلًا للجانب الروحى الخاص بالعلاقة بين الله والإنسان على النحو الذي فهمه الغرب من الدين، وإنما الإسلام أشمل وأعم من ذلك، فهو منهج كامل شامل، وهذا الجانب اللاهوتى جزء منه لا ينفصل.

ومن هذا فإن كل ما يقال عن عزل الدين عن التربيه أو التاريخ أو الأدب أو الاجتماع أو الأخلاق أو السياسة، إذا جاز في عرف الغربيين فإنه لايجوز عند تطبيقه على الإسلام الذي ليس دينًا على النحو الذي عرفه الغرب) (٢) .

"الإسلام منهج , منهج حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها , منهج يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود ويحدد مكان الإنسان في هذا الوجود , كما يحدد غاية وجوده الإنساني , ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق عن ذلك التصور الاعتقادي , وتستند إليه , وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر كالنظام الأخلاقي والينبوع الذي ينبثق منه والأسس التي تقوم عليها والسلطة التي يستمد منها , والنظام السياسي وشكله وخصائصه , والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته , والنظام الاقتصادي وفلسفته وتشكيلاته والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته".

وهذه الشمولية هي جوهر مشكله الإسلام مع الأيديولوجيات والعقائد الأخرى وأذنابهم.


(١) دومنيك وجانين سورديل: الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبى، الجزء الأول: ص ١٠١ ترجمة ديمون بلوخ، طبعة دار الحقيقة، بيروت
(٢) الأستاذ أنور الجندى: أصالة الفكر العربى الإسلامي في مواجهة الغزو الثقافى: ص ١٠٤ – كتب إسلامية – العدد ١٠٠ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>