للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواجهة جديدة بين الإسلام والفكر الغازى.

أولًا – الغزو العسكرى:

إن صراع الحق مع الباطل سمة هذه الحياة، فمنذ قاسم الشيطان آدم وحواء يؤكد أنه لهما من الناصحين، فدلاهما بغرور، فأوقعهما، فأهبطوا جميعًا إلى الأرض مستقرًا لهم ومتاعًا إلى حين.

فالباطل بجنوده من الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، والنفس الأمارة بالسوء تروج وتزين وتجذب إلى مباهج الحياة وملاذها الخلابة.. واخترع لدعم الباطل من وسائل الدمار المادى والمعنوى خلال حياة الإنسان الطويلة على الأرض، وما وصل في تطوره إلى قمة الخيال، وإذا علمنا أن هذه الوسائل تسيطر عليها الرأسمالية العالمية الملحدة، والأيديولوجية المارقة، أدركنا مقدار ما نتعرض له من خطر وما يواجهنا من هجمة شرسة تستهدف تحطيم ديننا، تحطيم قيمنا، تحطيم مثلنا، تضليل فكرنا، ومسخ حضارتنا وإحلال محلها حضارة الآخرين لنكون ذيلًا نتبع ولا نُحترَم، ونُجر في إرضاء مصالح الغير.

إن الغزو العسكرى الذي بدأته الحروب الصليبية منذ قرون في الشرق الإسلامي وفى غربه لم يتوقف- كما يظن البعض- فهو صراع بين الحق والباطل، صراع بين التوحيد والضلال، صراع بين الحضارة الإسلامية التي رست أسسها على شهادة التوحيد، وعلى الذكر الحكيم، وعلى سنة خير الورى محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى التراث الإسلامي العظيم، وعلى فكره السامى الذي تناول كل جوانب الحياة البشرية مادية كانت أم روحية، وبين حضارات قامت في أساسها على الوثنية وعلى أيديولوجيات مادية، وعلى أديان محرفة.

إن الصراع لم يتوقف ولن يتوقف، وإنما يهادن لالتقاط أنفاسه، ويخاتل لإحكام خططه.

إن الفرنسيين بعد أن احتلوا الشام ولبنان، واحتلوا جزءًا من ليبيا، واحتلوا تونس والجزائر والمغرب وأجزاء كبيرة من غرب إفريقيا ووسطها، لم ينسوا قيادة ملكهم للحروب الصليبية، ووقوعه في أسر المصريين وسجنه في دار ابن لقمان بالمنصورة وقول شاعرهم بهذه المناسبة:

(وقل لهم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشى صبيح) (١)

والإنجليز لم ينسوا بعد احتلالهم العراق وفلسطين ومصر إحياء ذكرى قيادة ملكهم ريتشارد الأول قلب الأسد للحملة الصليبية الثالثة سنة ١١٩١م ومعاركه مع المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبى، واللورد اللنبى لم ينس في القدس سنة ١٩١٨م بعد أن دخلها مع قوات الثورة العربية أن يقول: (الآن انتهت الحروب الصليبية) . وأن يقول في دمشق متشفيًّا يزهو كالطاووس وأوسمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تلمع على صدره: (ها نحن قد عدنا إليك يا صلاح الدين) ! (٢)


(١) الأستاذ محمد مصطفى زياد. حملة لويس التاسع على مصر: ص ٣٠٣، ٣٠٤
(٢) الأستاذ أنور الجندى. أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة الغزو الثقافى: ص ١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>