أدرك المستعمرون أن الغزو العسكرى محدود النتائج، ويصعب تأمينها، وبجانب كونها غير ثابتة هو باهظ التكاليف، ويربى الكراهية والأضغان.
فهزيمة جيش واحتلال أرض، وقتل وتعذيب الناس لا يغير من عقيدة الناس، بل يزيد الشعوب نفورًا، ويقوى فيهم عزيمة الدفاع عن الكرامه والشرف ولو أدى ذلك إلى العناء وسقوط أعداد كبيرة من الشهداء، وخاصة لدى السملم الراسخ العقيدة.
وثورة الحجارة – كما يسميها البعض – في أرض فلسطين الجريحة دليل صريح على ذلك. فالحياة مع الذل والمهانه لا يُزيل عارها, ويمحى هوانها إلا شرف الكفاح، وحتى الشهادة إن استدعى الأمر ذلك.
لعمرك ما للمرء خير في حياة إذ ما عد من سقط المتاع
وإذا كانت هذه الحياة لا بد أن ينهيها الموت طالت أم قصرت، فلم إذن يقبل الإنسان أن يعيشها مهانًا مركول الكرامة؟
وإنطلاقًا من هذا المنعطف لم يضيع الغزاة الوقت، بل أخذوا يخططون ويعملون لإبعاد المسلمين عن دينهم؛ للسيطرة على عقولهم، وإبعادهم عن مثلهم وتشويه حضارتهم، فالاحتفاظ بهم سوقًا استهلاكية ضخمة رابحة تروج فيها تجارتهم الواسعة، تجارة متع الحياة ونعيمها الرخو الناعم، تجارة السيارات الفارهة، تجارة السلاح، وهذا يتطلب مسخهم خلقًا جديدًا لا علاقة له بعقيدتهم وتاريخهم.
وللوصول إلى هذه الأهداف لا بد من خطة محكمة، خطة ذكية لا تُشم فيها رائحة الأهداف الخبيثة التي يرمون إليها, ولابد من إخفاء الفخ بإحكام لتقع فيه الضحية ... ولإنجاح العملية لابد من تأمينها، ولتأمينها لابد من إشعار الناس بالخوف بحيث يقتنعون بأنهم معرضون للخطر، وإدخال هذا الشعور في نفوسهم يجعلهم يقبلون بالاحتفاظ ببعض وسائل الاستعمار التقليدية في شكل اتفاقات أمن ودفاع ومستشارين ومدربين، ومرابطة قوات في أماكن حساسة، قوات سريعة الحركة على أهبة التدخل المباشر إذا اقتضت مصلحة المستعمر ذلك.