للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوة الإسلام الذاتية:

فرغم كل التدابير التي اتخذت للقضاء على الإسلام لوضعه في متحف التاريخ ورغم كل أنواع الغزو الفكري، وهجمة الحضارة الغربية المادية، ورغم المطبلين للغرب ونفوذهم، ورغم الحروب البشعة التي أشعل نيرانها أعداء الإسلام داخليًّا وخارجيًّا, ورغم رايات الاضطهاد التي يرفعها بافتخار بعض أذناب الغرب وعباده في بلاد الإسلام، ورغم وقاحة الكتاب والمفكرين دعاة التغريب والتبعية خدام الغزو الفكري وأجرائه، ورغم انهزام كثير من أبناء المسلمين فكريًّا وحضاريًّا، ورغم وصول تأثير الفكر الغربي إلى درجة العمق في تصرفاتنا اليومية فكرًا وسلوكًا وتعليمًا وسياسة وتشريعًا واقتصادًا، وحتى في الأشياء البسيطة، أو التي تخضع للبيئة الطبيعية كالأزياء مثلًا. إذ قد نجد من يعيش في منطقه حارة وفي فصل الصيف، وتراه مشدود الرقبة، مشدود الوسط، يتصبب عرقًا من الصوف الذي يرتديه على الطريقة الغربية، ومن الجو الخانق الشديد الحرارة، ورغم كل هذا فقد فوجئ العالم أجمع بالإسلام يفيض من وراء كل السدود، ويتخطى كل الحواجز، وإذا بالجماهير من شباب الإسلام تتلقف الراية، راية التضحية والجهاد في سبيل الإسلام فيتحير الطغاة، ويتحير معهم خدام الفكر الغربي ودعاته، الذين خابت آمالهم في تحويل جماهير الشباب إلى دُمى تحركها أقلامهم المأجورة وتربيتهم الفاسدة، مكافأة للغرب على ما أولاهم من عناية وأوسع لهم من نعمة.

ففي الجامعة ارتَدَت الفتاة زيًّا محتشمًا، زيًّا إسلاميًّا وفي الشارع وفي المدرسة ... ظاهرة أقلقت جميع أعداء الإسلام وفزعت لها بعض الدول خارج العالم الإسلامي، حتى رأينا فرنسا موطن الحرية والمساواة والإخاء تثور من أقصاها إلى أقصاها، وتجفل مرعوبة هلعه أمام قطعة من القماش تضعها صبية على رأسها، فتقوم زوبعة تهتز لها جمهورية الحرية، حامية حقوق الإنسان، وتمنع الصبية من دخول مدرستها إلا بإلقاء خمارها!!.. بينما تسير لداتها عاريات إن شئن، وتتفاقم الزوبعة وتتطاول صاعدة إلى السماء وتصل رئيس الجمهورية ...

لماذا كل هذا الفزع؟! أخوفًا من متر قماش وضعته فتاة على رأسها؟! أو من الفتاة نفسها؟ ولماذا كل هذا؟!

إن الوثنية حاولت أن تئد الإسلام في مهده منذ ما يقارب من ١٤٠٠ سنة، وقامت ضده بحرب شنيعة فرد الله كيدها في نحرها: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (١)

وفي العصر الحديث وقف حلف الفجور غير المقدس من الوثنيات والدهريات والديانات المنحرفة والأيديولوجيات الضالة وعتاه الاستعمار المادي والثقافي، تآمر الجميع بينهم، ومع من استهووه من أبناء المسلمين وأضلوه وقَبِلَ أن يمد يد العون لهم لاستئصال شأفة هذا العدو اللدود، ففتحوا عليه جميع أبواب الشر بسخاء، ولم يدخروا أي جهد، فإذا بجميع قرون الشياطين تعود واهية، وبقى الإسلام يتابع سيره بثقة واطمئنان ... {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (٢) .


(١) سورة التوبة: الآية ٣٢
(٢) سورة الصف: الآية ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>