إن قوة الإسلام ذاتية, قوة جوهرية، قوته المتمثلة في كتابه العزيز وفي عقيدته الراسخة, فقد واجه الإسلام قديمًا وحديثًا أعتى المذاهب فصمد لها، وحسم الرأي في كل ما أثارته الفلسفات حول الإنسان والكون والحياة والفكر البشرى من قضايا وتحريفات.
وقد زيّف القرآن الكريم كما ما سوى عقيدة التوحيد الكاملة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} , لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وجاء بالشريعة لصالح البشر, فتعانقت العقيدة والشريعة بحيث لا تنفرد إحداهما عن الأخرى, فمن آمن بالعقيدة وألغى الشريعة، أو أخذ بالشريعة وأهدر العقيدة خالف دين الله الحق, فالإسلام عقيدة وشريعة، ودين ودولة.
وشهد التاريخ في كثير من أجزاء العالم لقوة الإسلام الذاتية التي حمته وأعطته فاعلية الانتشار بلا مبشرين وبلا قوى تدفعه وتساعده على الانتشار والصمود، فقد واصل الإسلام انتشاره منذ فجره إلى اليوم، ولم يتوقف عن الانتشار حتى في أشد أيام الصراع بينه وبين الاستعمار, وقد انتشر بقوته الذاتية، وبفضل مبادئه التي تحمل عنصري التوحيد والحرية.
يقول توماس آرنولد في كتابه (دعوة إلى الإسلام) : (إن كان دولة الإسلام قد انقسمت وانهارت وحدتها السياسية فإن فتوح الإسلام الروحية قد بقيت لا تحول دونها الحوائل، حدث هذا برغم إغارة المغول على بغداد، وقيام الحكام الأندلس بطرد المسلمين من الأندلس , كان ذلك يجرى والمسلمون يضعون أقدامهم في أرض جديدة، ويُدخلون أهلها في دين الله، تلك هي جزيرة سومطرة) . ويقول العلامة مونتيه في كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله) : (في إفريقيا أناس من المرابطين هم دعاة تبشير حقيقيين، وهناك طرق دينية أخذت على نفسها نشر الإسلام، على أن الإسلام ينتشر بنفسه بواسطة المسلمين أنفسهم، لأن كل مسلم في البلاد الوثنية داعية دين بحد ذاته.. والمسلم ينشر دينه وهو متوفر على تجارته، أو عامل في صناعته، والإسلام ينتشر من نفسه بواسطة القوافل التي ترحل إلى البلاد الوثنية، ودعاة الإسلام فيما عرفوا من الغيرة يعمدون إلى ذرائع مختلفة تناسب كل حال بحسب الأقطار والشعوب التي يبثون دعوتهم بين أهلها) (١) .
ولا غرابة إذن في أن نرى المسلمين، والشباب منهم خاصة، يعودون إلى دينهم الحنيف بعد أن استفاقوا من هول الصدمة المضللة التي صرعت الكثير من الناس منذ بداية اشتباك الإسلام بالفكر الغربي وحضارته المادية.
ولا نسأم من تكرار الحقيقة الأبدية التي تتمثل في أن هذه القوة الذاتية الإسلامية المتجسمة في كتاب الله العزيز هي التي صمدت أمام كل الحروب القذرة، مادية وفكرية، تلك الحروب التي انطلقت منذ عاد محمد صلى الله عليه وسلم من الغار يحمل رسالة الله إلى البشرية قاطبة، بل وإلى الجن أيضًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
(١) عن الأستاذ أنور الجندي. بتصرف إطار إسلامي للفكر المعاصر: ص ١٩، والمكتب الإسلامي، بيروت