جرت أحداث خطيرة في السنوات الأخيرة, فقد سقط من علٍ صرح شاهق شغل العالم ما يناهز قرنًا من الزمن، قامت من أيديولوجيته دول، واعتنقتها شعوب , وضللت بها شعوب أخرى , وخُدرت ومُنيت فردوس الأرض، وتأكد وأكد مبشروها أنهم اهتدوا إلى بلسم يشفي البشرية من جميع أوجاعها والأمة، فانطلق الدعاة مسعورين يهيجون الشعوب ويقلبون الحكومات، يبشرون بالحياة الفاضلة, فقامت بوجه هذه الأيديولوجية، أيديولوجية أخرى تقاومها، وتصارعها، فدخلتا في سباق لاقتسام العالم المعاصر، واستعملت كلتاهما ما في جعبتها من حجج وكذب وخداع ومكر، وضغوط للاحتفاظ بمراكز النفوذ في العالم بعد أن انقسم فريقين, فعاشت الشعوب على أعصابها وهي تشاهد حربًا باردة بين العملاقين، متمزقة بين الأيديولوجيتين تتصارعان على قسمه العالم والاستعمار إلى أقصى حد.
فانطلقت أبواب الدعاية ووسائل الإعلام الخاصة بكل فريق تسمم الأفكار وتختال الشعوب وتخدرها، إما بالوعود بجنة الأرض الوارفة ذات القطوف الدانية، وإما بالحرية والديمقراطية والمساواة ذرًّا للرماد في العيون. إلا أن مبادئ العملاقين لا تختلف إلا في التكتيك، فكلاهما يرفع راية (العلمانية = لا دينية)
فالعالم الشيوعي بالشرق يرفعها ويقويها بفلسفة جدلية تحذف الإله الخالق للكون من حسابها، وتعمل في كل المؤسسات التابعة لها بمحو فكرته من ذاكرة الشعوب.
والعالم الحر يرفع، أيضًا، بدورة نفس الراية، ويطبق نفس المبدأ من عزل الدين عن حياة الناس، ولكنه فعل ذلك بخبث حين فصل الدين عن التعليم والتربية وجميع النظم المسيرة للحياه وقبره في دهاليز الكنيسة.
فرغم الصراع القائم بين العملاقين الشقيقين فقد كانا متفقين على تحطيم الإسلام وتقويض أسسه، حيث كان دائمًا صخرة صلبة ترتطم عليها معاول الهدم، فكانت مشكلة عويصة تسببت في فشل الكثير من هجماتهم الشرسة ضد المسلمين بدءًا من الحروب الصليبية ومرورًا بالهجمة الاستعمارية وتثليثًا بطوفان ملوث من الفكر المادي اللاأخلاقي الملحد الذي لا يعدو ـ في معظمه ـ أن يكون عملًا من أعمال الحروب البيولوجية التي قيل إن بعض الدول الكبرى تشنها من وقت لآخر لإفساد ونشر الأمراض.