هذا ليس غرضي من هذه الكلمة الخاطفة المقارنة بين العملاقين ولا يبان أكثرهما ضراوة وفسادًا في الأرض وإذابة للإسلام والمسلمين، ولا مناقشة الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، ولا توقعات التغيرات المنتظرة في العالم خلال السنوات القادمة، وإن كانت تلوح في الأفق مؤشرات توحي بأن أوروبا المتحدة سترجح كفتها في السباق على النفوذ في العالم اقتصاديًّا وسياسيًّا، وأن الولايات المتحدة أخذت في مرحلة تنازلية، وأن اليابان سيكون لها دور خطير في مستقبل العلاقات الدولية.
فالذي أريد أن أنبه عليه أن أعداء الإسلام تفرغوا له بعد أن حُيّدَ العالم الشيوعي. صحيح أن الشيوعية لم يسقط جانبها الإلحادي، وإنما سلكت فقط طريق الغرب في تطبيق العلمانية = اللادينية، في الوقت الذي تخلت فيه عن فلسفتها الاقتصادية، وإن كان الوقت لا زال مبكرًا في التأكيد من أن (الثعبان) بعد قطع رأسه وقبل قطع ذيله، لا تؤثر الحركات العشوائية التي يقوم بها في إيجاد انحرافات أخرى قد تتولد عنها مفاهيم جديدة في السياسة والاقتصاد.
فالإسلام إذن يقف وحده في مواجهة أوروبا في حرب ضروس، حرب فكرية، حرب ثقافية، حرب حضارية، أوروبا المتحدة من موسكو إلى واشنطن، فالإسلام هو الوحيد الذي تتوفر فيه عناصر حيرت الغرب منذ الحروب الصليبية وحتى عصر النهضة الفكرية والتكنولوجية المتطورة. والأسلحة التي استعملت وتستعمل في محاولة تقويض أسس الفكر الإسلامي هي نفس الأسلحة التي تستعمل في متابعة الحرب، غير إنني أتوقع أن كون الاعتماد في المستقبل سيتركز على عناصر الاستقبال والإرسال المتمثلة في الجماعات التي انسلخت عن فكرها، واجتثت من أصولها، وصارت رسالتها التخريب وتحطيم الشعوب الإسلامية من داخلها, كما أتوقع أن تشتد الضغوط على كل فرد أو جماعة تحاول أن تخرج بالإسلام من المسجد وتنادى به كنموذج صالح لإنقاذ الشعوب الإسلامية، بل كشعاع من الأمل يضئ طريق النجاة للإنسانية المحطمة الحائرة الغارقة في أوضار حضارة مادية قاتمة لا يتخللها أي شعاع من الإيمان بالله (١) .
(١) ليس من المستبعد أن تحصل ردة إلى الدين. فقد دعا البابا إلى تنصير أوروبا (Evangelisation de l’Europe)