للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما اليوم فالإنسان أنّى وُجد وحتى في البراري والقفار وقمم الجبال لا يستطيع تفادى ما يسلط عليه الفكر وثقافة, ففي كل لحظة من ليل ونهار تنطلق أمواج الأثير وتحمل الأقمار الصناعية, وتقذف المطابع وتفرغ الطائرات والسفن ملايين الأطنان من حصاد الفكر الإنساني, أراد الإنسان أم لم يرد، فهو معَّرض لآثارها.. فقد صارت كالهواء الذي يستنشقه.

غير أن هذا لا يدعونا إلى اليأس وإلقاء السلاح والاستسلام الخائن الذليل، والتبعية الحقيرة التي تتناقض مع كرامة المؤمن، بل وتتعارض مع كرامة الإنسان. فإيماننا بالله يمنعنا من ذلك، فلنكن إذن على مستوى عقيدتنا ولنقتد بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي واجه الأرض كلها وليس معه من البشر إلا زوجه، واجه الشرك والظلم والفساد بهذه العقيدة التي تدعو المسلم المؤمن بها أن يواجه الشرك والكفر والنفاق، ودعاة التغريب، وشهوات الدنيا التي روَّجت لها الحضارة المادية اللادينية، واللاأخلاقية، التي تعشش الفساد وتنشره بسخاء في الأرض. والنفس مجبولة على حب الشهوات وإنها لأمارة بالسوء.

ولا تهولنا هذه الحضارة المادية الشرسة، ولا يذهلنا تغلغل آثارها الضارة في المجتمعات الإسلامية، ولا سيطرة فكرها على عقلية بعض المفكرين الذين أصبحوا أداة هدم في يدى أعداء الإسلام {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (١) .

فرغم أن الإحباط الكثير من أبناء الإسلام وأن بعض المفكرين من أبناء المسلمين لعبوا نفس الدور الذي لعبه المنافقون في صدر الإسلام أو أشد, فرغم أن كل حقيقة إلا أن من الثابت تاريخيًّا وبالتجربة، أن الحقائق النسبية أي التي ترتبط بظروف معينة ليست لها صفة الديمومة إلا بقدر توافر الظروف التي أوجدتها. انظروا جيدًا، وأمعنوا النظر من يستطيع منكم أو من غيركم أن يتخيل أن حقيقة هائلة دوخت العالم المعاصر بأجمعه منذ ما يقرب من قرن تزول من الوجود، وتصبح بين ليلة وضحاها تاريخًا يذكر؟ من لا يعرف منكم الاتحاد السوفيتي الركيزة الثابتة التي قامت عليها السياسة العالمية المعاصرة. أليس هذا كان حقيقة؟ أين هذه الحقيقة الآن؟!


(١) سورة يوسف: الآية ٨٧

<<  <  ج: ص:  >  >>