للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذه العقيدة قام سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم وحيدًا يدعو إلى كلمة التوحيد، يواجه بها الأوثان والأصنام وعبدتها. وبهذه العقيدة انتصر الإسلام وانتشر في الآفاق , وبسرعة أدهشت المؤرخين هزم أكبر قوتين تسيطران على العالم آنذاك.

وبضعف هذه العقيدة عند المسلمين تحطمت مقاومتهم وانهار الجدار الداخلي، وهوت صروح الإسلام من القلوب وسخر الساخرون من المسلمين ومن كل مقدساتهم، وتفتت المسلمون شيعًا وأحزابًا ودويلات تقوم بينها الحروب ويستعدى بعضها على البعض أعداء الإسلام. وبضعف هذه العقيدة أصبح المجتمع الإسلامي مكشوفًا من الخارج ومهلهلًا في الداخل, وبسبب ضعف هذه العقيدة جبن المسلمون وخارت قواهم وشعروا بالدون. وهذه حالة مشاهدة يعيشها مسلمو اليوم. فلنأخذ مثالين من عصرين مختلفين يصوران نفسية المسلمين:

١- بلغ المعتصم الخليفة العباسي أن امرأة صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم: (وامعتصماه) فأجابها: لبيك لبيك، فنهض من ساعته، وجهز جيشًا جرارًا وهزم الروم وانتصر لهذه المرأة المسلمة (١) .

٢- وفي خلال عام ١٩٨٩ م شاهدت وشاهد العالم كله، أو على الأقل معظمه على شاشة التلفزيون امرأة مسلمة تولول وتصرخ، والصهاينة ينهالون على وليدها، وهل تحرك أحد في العالم الإسلامي؟ نعم.. نعم نددنا، وشجبنا، واستنكرنا، ثم أخلدنا إلى السكون والدعة وفضلنا السلامة والعافية، والجلوس على الكراسي المريحة، والفرش الوثيرة.

والشاهدان غنيان عن البيان, فالمسلم عندما يشعر بعزة الإسلام لا يقبل الإهانة، فإن الكرامة وقوة الإيمان تجرى في كل شرايينه، وإذا أصابه الخور. وصار إسلامه وراثة وتقاليد خلت من حيوية الإيمان بالله عشش الوهن في كل مشاعره واكتفى بحياة الذل. ونسي أو تناسى قول ربه في كتابه الكريم: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (٢) .

ونسي أو تناسى ما في الذكر الحكيم من قول رب العزة: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} (٣) .

حقًّا إن المؤمن الصادق الإيمان يرجو من الله مالا يرجون. ورحم الله أمير المؤمنين عليًّا وأرضاه فلو رأي ما وصل إليه المسلمون اليوم لهاله الأمر. وقد صدق حين يقول: (فوالذي نفسي بيده ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلو ... والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يُدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فتُنتزع أحجالهما ورعثهما، ثم انصرفوا موفورين لم يكلم منهم أحد كَلْمًا. فلو أن أمرًا مسلمًا مات من دون هذا أسفًا ما كان عندي فيه ملومًا) (٤) .

رضى الله عنك وأرضاك يا أمير المؤمنين، ماذا تقول فينا اليوم لو علمت أن الذي ينزع الأحجال والرعث، إنما الذي يقلع ويهان ويعذب هو فلذات الأكباد!! والقوم نيام أو هم أموات غير أحياء، عيون تحوم ولا ترى، وآذان مفتوحة ولا تسمع، (وما بجسم بعد الموت إيلام) .


(١) وقعت هذه الأحداث سنة ٢٩٣ هـ. ولا شك أن عشاق الأدب العربي يذكرون لأبى تمام قصيدته الرنانة التي قالها بمناسبة هذه الواقعة التي فتحت فيها (العمورية) . والقصيدة من عيون الأدب العربي: السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حفلا معسولة الحلب انظر: الدكتور حسن إبراهيم حسن. تاريخ الإسلام السياسي: ٢/ ٢٤٨، ٢٤٩
(٢) سورة المنافقون: الآية ٨
(٣) سورة النساء: الآية ١٠٤
(٤) عن الكامل للمبرد

<<  <  ج: ص:  >  >>