للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان من أهداف الغزو الفكري، صرف المسلمين عن دينهم، وعن قرآنهم، وليكونوا بعد ذلك ما يكونون، فإذا عجزوا تنصيرهم كما كانوا يشتهون ويخططون في البدء، فينبغي على الأقل أن ينتزعوا من قلوبهم ذلك الشيء المرهوب الذي يزعجهم ويفزعهم حتى وهو كامن في قلب (الرجل المريض) , كما صرح أحد الكتاب في كتاب (الغارة على العالم الإسلامي) حيث قال: (إن أوروبا كانت تفزع من الرجل المريض لأن وراء ثلاثمائة مليون من المسلمين على استعداد للجهاد بإشارة من أصبعه) (١) .

وإذا كان المراد بالغزو الفكري الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية، وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، مما يتعلق بالعقيدة وما يتصل بها من أفكار وتقاليد وأنماط سلوك.

فإذا كان هذا هو هدف الغزو الفكري، فلا يمنع ذلك من وجود أطماع اقتصادية هائلة لأوروبا في الشرق الغني بالخامات والموارد، التي لا يكاد أصحابها يستثمرون منا إلا القليل، بينما تحترق أوروبا شوقا إلى شيء منها.

ولكن هذا لا ينبغي أن يخفي عنا مجموعة من الحقائق في هذا الشأن:

الأولى: أن الباعث الصليبي كان الباعث الأول الذي حرك أوروبا إلى الاستيلاء على العالم الإسلامي كما هو ثابت من رحلتي فاسكو دى جاما، وماجلان، والرحلات (الاستكشافية) الأخرى ـ في أفريقيا خاصة ـ التي حملت المبشرين بكميات هائلة إلى أماكن لم يكن الاستعمار الاقتصادي فيها محدود المعالم أول الأمر، وإن كان قد حدث على نطاق واسع فيما بعد, حين اكتشف المحتلون مصادر الثروة وأخذوا في الاستعمار.

الثانية: أن التحرك الاقتصادي الأول من أوروبا نحو الشرق كان هدفه الأول حرمان المسلمين من مصادر قوتهم لإضعافهم، وهو هدف صليبي واضح تتخذ له جميع الوسائل، وما الوسيلة الاقتصادية إلا واحدة من هذه الوسائل فحسب، وليس هي الغاية كما يزعمون، ويزعم معهم المستبعدون لهم من المثقفين، خاصة الذين يرددون في غير تفكير القول بأن الغرب لا يريد إلا تأمين مصالحة الاقتصادية فحسب، ولا يهمه شيء غير ذلك.


(١) انظر: الغارة على العالم الإسلامي، تلخيص: محيي الدين الخطيب، مساعد اليافي، مكتبة أسامة بن زيد، بيروت

<<  <  ج: ص:  >  >>