للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما النوع الثالث: فهو المعاملات والحدود وأداء الأموال من خراج وعشر وخمس المعادن، والمناكحات. فالمناكحات وما يتعلق بها من المفارقات مبناها سعادة الزوجين وأولادهما، ويتحقق المبنى بالحفاظ على الرابطة الزوجية، وتحقيق الحياة الطيبة فيها. كما قرر القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] فكل ما يؤيد هذا الأصل يعمل به، ولو أدى في بعض الوقائع إلى التلفيق، إلا أنه ينبغي ألا يتخذ التلفيق ذريعة لتلاعب الناس بأقضية الزواج والطلاق، مراعاة للقاعدة الشرعية، وهي أن " الأصل في الأبضاع التحريم " صيانة لحقوق النساء والأنساب، وحينئذ يكون التلفيق ممنوعًا.

وأما المعاملات، وأداء الأموال، والحدود المقررة، وصيانة الدماء ونحوها من التكاليف المراعى فيها مصالح البشرية والمرافق الحيوية، فيجب الأخذ فيها من كل مذهب: ما هو أقرب إلى مصلحة العباد وسعادتهم، ولو لزم منه التلفيق، لما فيه من السعي وراء تأييد المصلحة التي قصدها الشرع، ولأن مصالح الناس تتغير بتغير الزمان، والعرف وتطور الحضارة والعمران، ومعيار المصلحة: هو كل ما يتضمن صيانة الأصول الكلية الخمسة وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل (النسب) ، والمال؛ وصيانة كل مصلحة مقصودة شرعا من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وهي المصالح المرسلة المقبولة.

والخلاصة: إن ضابط جواز التلفيق وعدم جوازه: هو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياستها وحكمتها، فهو محظور، وخصوصا الحيل، وأن كل ما يؤيد دعائم الشريعة، وما ترمي إليه حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدارين بتيسير العبادات عليهم، وصيانة مصالحهم في المعاملات، فهو جائز مطلوب.

والتلفيق الجائز في تقديري: هو عند الحاجة أو الضرورة، وليس من أجل العبث، أو تتبع الأيسر والأسهل عمدًا بدون مصلحة شرعية. وهو مقصور على بعض أحكام العبادات، والمعاملات الاجتهادية، لا القطعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>