إن معظم التعريفات السابقة لم تسلم من إبهام أو قصور، وقد وضحت المراجع المشار إليها ما يتجه من النقد إلى كل تعريف منها، وبقي تعريفان أحدهما للإمام الشاطبي المالكي والآخر للإمام البيضاوي الشافعي. خامسًا – أما الإمام الشاطبي فقد عرف الرخصة في موافقاته فقال: الرخصة ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه. ويشرح هذا التعريف فيقول: فكونه مشروعًا لعذر هو الخاصة التي ذكرها علماء الأصول.
وكونه شاقًّا فإنه قد يكون العذر مجرد الحاجة من غير مشقة موجودة فلا يسمى ذلك رخصة، كشرعية القراض مثلاً لعذر في الأصل وهو عجز صاحب المال عن الضرب في الأرض، ويجوز حيث لا عذر ولا عجز، وكذلك المساقاة والقرض والسلم ... وكون هذا المشروع لعذر مستثنى من أصل كلي يبين لك أن الرخص ليست بمشروعة ابتداء، فلذلك لم تكن كليات في الحكم.
وكونه مقتصرًا به على موضع الحاجة خاصة من خواص الرخص أيضا لابد منه وهو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية وما شرع من الرخص؛ فإن شرعية الرخص جزئية يقتصر فيها على موضع الحاجة؛ فإن المصلي إذا انقطع سفره وجب عليه الرجوع إلى الأصل من إتمام الصلاة وكذلك سائر الرخص (١) .
سادسًا – والآخر تعريف الإمام البيضاوي وهو ما عبر عنه بأنه: الحكم الثابت بدليل على خلاف الدليل لعذر.
فهذا التعريف قد خلا من المطاعن التي وجهت إلى التعريفات الأخرى كتعريف الآمدي وابن الحاجب اللذين عرفا الرخصة بأنها: المشروع لعذر مع قيام المحرم. كما بينا عند الكلام على التعريفات التي ساقها الآمدي.
شرح التعريف وإخراج محترزاته:
قوله:" الثابت بدليل " أشار به إلى أن الرخصة لابد لها من دليل وإلا لزم ترك العمل بالدليل السالم عن المعارض، فنبه عليه بقوله الثابت؛ لأنه لو لم يكن لدليل لم يكن ثابتًا بل الثابت غيره.
وقوله:" على خلاف الدليل " ولم يقيده بالمحرم كما فعل الآمدي وابن الحاجب ليشمل ما إذا كان الترخيص بجواز الفعل على خلاف الدليل المقتضي للتحريم كأكل الميتة وما إذا كان بجواز الترك، إما على خلاف الدليل المقتضي للوجوب كجواز الفطر في السفر، وإما على خلاف الدليل المقتضي للندب كترك الجماعة بعذر المطر والمرض ونحوهما؛ فإنه رخصة بلا نزاع.