للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقسيم الثاني وهم الذين نظروا إلى الرخصة من حيث حكمها:

قسم الشافعية الرخصة من حيث النظر إلى حكمها إلى الوجوب، والندب والإباحة، وخلاف الأولى وبعضهم قصرها على الثلاثة الأول.

فمثال الرخصة الواجبة أكل الميتة للمضطر؛ فإن هذا الحكم ثبت بدليل وهو قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] مع قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] وهذا الدليل يخالف الدليل الدال على حرمة أكلها وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] فوجوب أكل الميتة للمضطر رخصة؛ لأنه حكم ثبت بدليل آخر لعذر وهو الاضطرار إلى الأكل لحفظ الحياة.

ومثال الرخصة المندوبة قصر الصلاة الرباعية إذا توفرت شروطه؛ فإن هذا الحكم ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم ((هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) (١) وهذا الدليل الدال على وجوب الإتمام مثل قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٧٧] مع فعله عليه السلام المبين لعدد الركعات، فندب القصر رخصة؛ لأنه حكم ثبت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر وهذا العذر هو المشقة.

ومثال الرخصة المباحة، إباحة العرايا أو السلم؛ فإن إباحة العريا حكم ثبت بقوله عليه السلام ((وأرخص في العرايا)) وهذا الدليل مخالف للدليل الدال على حرمة الربا – مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وهذه المخالفة لعذر وهو حاجة الفقراء.

ومثال الرخصة التي هي خلاف الأولى الفطر في نهار رمضان بالنسبة للمسافر الذي لا يتضرر بالصوم فإن هذا الحكم ثابت بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وهذا الدليل مخالف لدليل آخر وهو قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وهذه المخالفة لعذر وهو مشقة السفر، وإنما كان الفطر لمن لا يتضرر بالصوم خلاف الأولى لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] . (٢)


(١) رواه الجماعة إلا البخاري، نيل الأوطار ٣ / ٢٢٧ أبواب صلاة المسافر.
(٢) جمع الجوامع ١ / ١٢١. غاية الوصول شرح لب الأصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ١٨ البحر المحيط للزركشي ١ / ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>