للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشقة التي تقتضي التخفيف:

ولا ينبغي أن يفهم أن كل مشقة داعية للتخفيف، فالمشاق على قسمين.

١- مشقة لا تنفك عنها العبادة غالبا كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد، ومشقة الحدود فلا أثر لهذه في إسقاط العبادات في كل الأوقات.

وأما المشقة التي تنفك عنها العبادات غالبا فعلى مراتب:

الأولى: مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فهي موجبة للتخفيف والترخيص؛ لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة. وكذا إذا لم يكن للحج طريق إلا من البحر وكان الغالب عدم السلامة لم يجب.

الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع في الرأس فهذا لا أثر له ولا التفات إليه، لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها.

الثالثة: متوسطة بين هاتين المرتبتين: فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف أو من الدنيا لم يوجبه (١) .

ثانيًا – قاعدة " لا ضرر ولا ضرار ":

هذه القاعدة مأخوذة من الحديث الشريف الذي يرويه أبو سعيد الخدري (٢) .

يقول السيوطي: هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه، من معناها " الضرر يزال ".

ويتعلق بها قواعد مثل " الضرورات تبيح المحظورات " (٣) .

ويقول الأتاسي في تعليقه على هذه المادة: هذه قاعدة أصولية مأخوذة من النص وهو قوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] إلا أنه ينبغي ألا تفهم على عمومها بل يخرج عن دائرتها كثير من الأحكام فهي من قبيل العام المخصوص.

ويقول الشيخ علي حيدر: هذه القاعدة وإن كانت عامة فهي من نوع العام المخصوص لا تصدق إلا على قسم مخصوص مما تشمله؛ لأن التعازير الشرعية ضرر ولكن إجراءها جائز (٤) .


(١) الاشباه والنظائر للسيوطي ص ٧٩، ٨٠ – ولابن نجيم ٨٠، ٨٢.
(٢) شرح المجلة للشيخ خالد الأتاسي ١ / ٢٤.
(٣) الأشباه للسيوطي ص ٨٢، شرح الأتاسي ١ / ٥٤.
(٤) شرح علي حيدر على نصوص المجلة ١ / ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>