للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا – قاعدة " تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ":

هذه قاعدة مهمة من قواعد الشرع مبنية على المقاصد الشرعية في مصالح العباد استخرجها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص ومن أمثلة هذه القاعدة:

إنكار المنكر وإزالته، فإذا ترتب على إزالته وقوع منكر أعظم أو يعم ضرره بترك الإنكار، فهذه القاعدة تجري في كل مسألة تدور بين ضررين خاص وعام، وكثير من الأوامر والنواهي الشرعية والحدود والعقوبات مشروع لهذا المعنى. ومنها التسعير بسعر معتدل بمعرفة أهل الخبرة عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش دفعًا للضرر العام.

ومنها بيع الطعام عند الحاجة جبرًا على صاحبه إذا امتنع عن بيعه (١) .

رابعًا – قاعدة "الحاجة تنزل منزلة الضرورة "

عامة كانت أو خاصة:

ومعناها أن الضرورة وإن كانت أشد إلا أن الحاجة عامة كانت أو خاصة تنزل منزلتها في تجويز الممنوع شرعًا، والفرق بين الضرورة والحاجة أن ما جاز للضرورة يقدر بقدرها وليس كذلك للحاجة، كذلك ما جاز للضرورة منها ما يتغير بسببها الحكم من الحرمة إلى الإباحة كأكل الميتة، ومنه ما لا تسقط حرمته بحال، ولكن يرخص عند الضرورة كإجراء كلمة الكفر بالإكراه الملجئ مع اطمئنان القلب بخلاف الحاجة (٢) .

ومن أمثلة هذه القاعدة تجويز بيع الوفاء حيث إنه لما كثرت الديون على أهل بخارى مست الحاجة إلى ذلك.

والقياس يقتضي عدم جوازه لوجود شرط فيه نفع لأحد العاقدين لكن جوازه للحاجة بسبب كثرة الديون على أهل بخارى وهكذا بمصر وسموه بيع الأمانة، والشافعية يسمونه الرهن المعاد.

وكذلك بيع المعدوم باطل لكن جوز في الإجارة والسلم بالنص وفي الاستصناع بالإجماع لحاجة الناس (٣) .

خامسًا – قاعدة " ما جاز لعذر بطل بزواله ":

وفي معناها قاعدة " الضرورات تقدر بقدرها "، ومؤدى هاتين القاعدتين أن كل فعل أوترك جوز للضرورة فالتجويز على قدرها ولا يتجاوز عنها، فمن أصابته مخمصة فاضطر لأكل الميتة أو مال الغير يتناول مقدار ما يسد الرمق لدفع الهلاك.

ويتخرج على القاعدة المشار إليها كثير من أحكام العوارض على أهلية الإنسان سواء كانت سماوية أو مكتسبة كعذر السفر المؤدي إلى إباحة الفطر وقصر الصلاة وترك الجمع، فإذا زال العذر يرتفع ذلك، وكأعذار الصغر والجنون والعته والسفه والمماطلة الموجبة للحجر على الصغير والمجنون والسفيه والمديون المماطل، يرتفع الحجر بزوالها (٤) . هذه أهم القواعد والضوابط التي تعرض لها الفقهاء القدامى والأصوليون ويردها الفقهاء المعاصرون إلى أمرين هما الضرورة ورفع الحرج والمشقة (٥) .


(١) شرح المجلة للأتاسي ١ / ٢٦، وشرح علي حيدر ١ / ٣٦.
(٢) شرح الأتاسي ١ / ٥٦ – ٥٧.
(٣) شرح الأتاسي ١ / ٧٦. علي حيدر ١ / ٣٨. الأشباه لابن نجيم ص ٩٢.
(٤) شرح الأتاسي ١ / ٧٦. علي حيدر ١ / ٣٨. الأشباه لابن نجيم ص ٩٢.
(٥) أصول الفقه للشيخ أبي زهرة ص ٥١، وأصول الفقه للشيخ بدران أبو العينين ص ٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>