للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرابع

في تتبع الرخص وآراء الفقهاء والأصوليين

تباينت أنظار العلماء في تتبع الرخص على أقوال: فمنهم من لم ير في تتبع الرخص بأسا، ومنهم من فصل القول فيه، ومنهم من قيده بقيود، ومنهم من منع ذلك.

والمراد بالرخصة هنا الرخصة بمعناها اللغوي وهي السهولة، سواء انطبق عليها حد الرخصة اصطلاحا أم لا، وذلك بأن يختار الأهون عليه والأخف له (١) .

كما بنى الأصوليون الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في وجوب الاستمرار على مذهب واحد، يقول الشيخ نجيب المطيعي: ويتخرج على القول بأنه لا يجب الاستمرار على مذهب واحد جواز اتباعه رخص المذاهب. ونقل عن فتح القدير قوله: لعل المانعين للانتقال إنما منعوا لئلا يتتبع أحد رخص المذاهب (٢) .

وفيما يلي مذاهب العلماء واتجاهاتهم في هذه المسألة:

الاتجاه الأول – وهم المجوزون:

ذهب الكمال بن الهمام وابن أبي هريرة، وأستاذه أبو إسحاق المروزي إلى أنه يجوز للمقلد أن يتتبع رخص المذاهب، بمعنى أن يأخذ من كل مذهب ما هو أهون عليه وأيسر؛ لأنه لم يوجد في الشرع ما يمنع من ذلك، بل ربما كان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله معضدين لذلك، ((فإن الرسول صلى الله عليه وسلم – ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما)) وقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها – ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ما تخفف عن أمته.)) وقال عليه السلام: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) (٣) . وهي رواية عن الإمام أحمد، ذكر بعض الحنابلة أن هذا مذهب أحمد بن حنبل، فإنه قال لبعض أصحابه: لا تحمل الناس على مذهبك فيخرجوا، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس. وسئل عن مسألة من الطلاق فقال: يقع يقع، فقال له السائل: فإن أفتاني أحد أنه لا يقع يجوز؟ قال: نعم (٤) .


(١) جمع الجوامع ٢ / ٤٠٠.
(٢) سلم الوصول لشرح نهاية السول ٢ / ٦١٩. فواتح الرحموت مع المستصفى للغزالي ٢ / ٤٠٦. تيسير التحرير ٤ / ٢٥٤.
(٣) تيسير التحرير ٤ / ٢٥٤. مسلم الثبوت ٢ / ٥٠٤. جمع الجوامع ٢ / ٤٠٠.
(٤) إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>