للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاه الثاني – وهم المقيدون، وهؤلاء لهم عدة اتجاهات:

الأول – لابن عبد البر وقد نقل أنه لا يجوز للعامي تتبع الرخص، وقد حكي الإجماع في ذلك.

ولم يسلم له حكاية الإجماع، قالوا: إن في تفسيق المتتبع للرخص روايتين عن أحمد، وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد (١) .

الثاني – وذهب القرافي إلى أنه يجب أن لا يترتب على تقليد الغير ما يمنعانه بإيقاع الفصل على وجه يحكم ببطلانه المجتهدان معا لمخالفته الأولى فيما قلد فيه غيره، والثاني في شيء فيما يتوقف عليه صحة ذلك العمل عنده، كمن قلد الشافعي في عدم فرضية الدلك للأعضاء المغسولة في الوضوء والغسل، وقلد مالكا في عدم نقض اللمس بلا شهوة للوضوء وصلى فإن صلاته باطلة عندهما. إلا أن هذا الرأي لم يسلم أيضا من النقاش وذلك بمنع بطلان الصورة المذكورة، فإن مالكا لم يقل إن من قلد الشافعي في عدم الصداق أن نكاحه باطل، ولم يقل الشافعي أن من قلد مالكا في عدم الشهود أن نكاحه باطل.

وكون أحد المجتهدين لا يجد في صورة التلفيق جميع ما شرط في صحتها، بل يجب في بعضها دون بعض، وهذا الفارق لا يكون موجبا للحكم بالبطلان، والمخالفة في بعض الشروط أهون من المخالفة في الجميع، فيلزم الحكم بالصحة في الأهون بالطريقة الأولى، ومن يدعي وجود فارق أو وجود دليل آخر على بطلان صورة التلفيق على خلاف الصورة الأولى فعليه بالبرهان.

وقد توزع كون المخالفة في البعض أهون من المخالفة في الكل، لأن المخالفة في الكل تتبع مجتهدا واحدا في جميع ما يتوقف عليه صحة العمل وههنا لم يتبع واحدا.

ورد هذا النقاش بأنه يتم هذا إذا كان ثمة دليل من نص أو إجماع أو قياس قوي يدل على أن العمل إذا كان له شروط يجب على المقلد اتباع مجتهد واحد في جميع ما يتوقف عليه ذلك، وليس ثمة دليل عليه (٢) .

الثالث – وقال الروياني: يجوز تقليد المذاهب بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن لا يجمع فيهما على صورة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد.

الشرط الثاني: وأن لا يتتبع رخص المذاهب.


(١) البحر المحيط ٦ / ٣٢٥. تيسير التحرير ٤ / ٢٥٤.
(٢) تيسير التحرير ٢ / ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>