للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس للمشقة – المعتبرة في التحقيقات – ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد وفي جميع الناس، لذلك أقام الشرع في جملة منها السبب مقام العلة – فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان وجود المشقة – وترك كل مكلف على ما يجد أي إن كان قصر أو أفطر في السفر.

وترك كثيرًا منها موكولاً إلى الاجتهاد كالمرض، فكثير من الناس يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه الآخر – فتكون الرخصة مشروعة بالنسبة إلى أحد الرجلين دون الآخر. وبذلك يتحقق المبدأ بأن الرخص إضافية لا أصلية (١) .

سؤال: هل الإباحة المنسوبة إلى الرخصة – هي من قبيل الإباحة بمعنى رفع الحرج، أم من قبيل الإباحة بمعني التخيير بين الفعل والترك.

الجواب: الظاهر من نصوص الرخص، في الكتاب والسنة أن الإباحة بمعنى رفع الحرج، لا بالمعنى الآخر.. كما يظهر من قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١١٥] نلاحظ أنه لم يذكر في ذلك بأن له الفعل والترك – إنما ذكر أن التناول في حال الاضطرار يرفع الإثم.

وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل: ١٠٦] . فالتقدير: أن من أكره فلا غضب عليه، ولا عذاب يلحقه إن تكلم بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولم يقل: فله أن ينطق، أو إن شاء فلينطق – وفي الحديث: أكذب امرأتي؟ قال: (( ((لاخير في الكذب)) )) . قال: أفأعدها وأقول لها؟ قال: لا جناح عليك. ولم يقل له نعم ولا افعل إن شئت.

ويبتنى على ذلك: أن المترخص بالعذر يرفع عنه الإثم باختياره بانتقاله من العزيمة إلى الرخصة (٢) .


(١) الموافقات ١ / ٣١٥.
(٢) الموافقات ١ / ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>