للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترخص المشروع

الترخص المشروع ضربان:

أحدهما: أن يكون في مقابلة مشقة لا صبر عليها (طبعًا أو شرعًا) .

أما طبعًا: كالمرض الذي يعجز معه عن استيفاء أركان الصلاة على وجهها مثلا، أو عن الصوم لفوت النفس.

وأما شرعًا: كالصوم المؤدي إلى عدم القدرة على الحضور في الصلاة أو على إتمام أركانها.

الثاني: أن يكون الترخص في مقابلة مشقة بالمكلف قدرة على الصبر عليها وأمثلته ظاهرة:

فأما الأول فهو راجع إلى حق الله تعالى والترخص فيه مطلوب ومن هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم ((ليس من البر الصيام في السفر)) وكذلك النهي عن الصلاة بحضرة الطعام أو وهو يدافعه الأخبثان، قال صلى الله عليه وسلم ((إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء)) أخرجه في التفسير عن الشيخين. وفي رواية أخرى عن الستة إلا النسائي ((إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء)) والرخصة هنا جارية مجرى العزائم (١) .

وأما الثاني فراجع إلى حظوظ العباد لينالوا من رفق الله وتيسيره بحظ ولو لم يكن فيه مشقة كالجمع بعرفة والمزدلفة.

هذا: وإن كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجًا، فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلف إن شاء، كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق، فإذا توخى المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شرع له كان متمثلاً لأمر الشارع، وإن لم يفعل خالف قصد الشارع وسد أبواب التيسير عليه. والشارع جاء بالشريعة لمصالح العباد، والمكلف في طلب التخفيف مأمور أن يطلبه من وجهه المشروع، ويكفيه في حصول التخفيف طلبه من وجهه والقصد إلى ذلك يمن وبركة، هذا وإن طالب المخرج من وجهه طالب لما ضمن له الشارع النجاح فيه، والرجوع إلى الوجه الذي وصفه الشارع رجوع إلى وجه حصول المصلحة والتخفيف على الكمال (٢) .


(١) الموافقات ١ / ٣٢١.
(٢) الشاطبي: الموافقات ١ / ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>