للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتبع الرخص

إن هذه المسألة تتخرج على أصل واحد وهو:

جواز الانتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهب إمامه الذي يقلد مذهبه.

أي أخذه من كل مذهب ما هو الأهون عليه فيما يقع من المسائل ولا يمنع منه مانع شرعي، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، وذلك أن يأخذ بقول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، وما علمت من الشرع من ذمة عليه. ((لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف على أمته)) (١) .

قلت: بل إن تتبع الرخص يتفرع على أصلين في مسائل الأصول وهما:

(١) التلفيق بين المذاهب.

(٢) هل يصح للعامي مذهب ولو تمذهب؟.

أما قضية التلفيق بين المذاهب فقد أفردت بالبحث، لذلك ينبغي أن نقدم لمسألة تتبع الرخص بمبحث تحت عنوان:

هل يجب الالتزام بمذهب معين أم لا؟

وهل يجوز للعامي أن يقلد غير إمامه أم لا؟

قال فقهاء الحنفية:

قال ابن أمير حاج (٨٧٩) في التقرير على التحرير.

قد انطوت القرون الفاضلة على عدم القول بوجوب الالتزام بمذهب معين، بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال ونظر بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال: أنا حنفي أو شافعي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد هذا القول.

يوضحه: أن قائله يزعم أنه متبع لذلك الإمام، سالك طريقه في العلم والاستدلال؛ فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الإمام وعمله بطريقته فكيف يصح الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من المعنى (٢) .

وقال الإمام صلاح الدين العلائي:

والذي صرح به الفقهاء مشهور في كتبهم: جواز الانتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهبه إذا لم يكن على وجه متبع الرخص (٣) .


(١) الكمال بن الهمام: التحرير ٣ / ٣٥٠.
(٢) ابن أمير حاج: التقرير على التحرير ٣ / ٣٥١.
(٣) أمير باد شاه: تيسير التحرير ٤ / ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>