للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخص القاضي من الحنابلة التفسيق بالمجتهد إذ لم يؤد اجتهاده إلى الرخصة واتبعها العامي العالم بها من غير تقليد لإخلاله بفرضه وهو التقليد.

فأما العامي إذا قلد في ذلك فلا يفسق؛ لأنه قلد من سوغ اجتهاده.

وقال ابن عبد السلام: ينظر إلى الفعل الذي فعله، فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم وإلا لا يأثم.

وفي السنن للبيهقي عن الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.

وروي عنه أنه قال: يترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع وإتيان النساء في أدبارهن، ومن قول أهل الشام الحرب والطاعة، ومن قول أهل الكوفه النبيذ (١) .

المانعون من تتبع الرخص

لعل الإمام الشاطبي هو حامل لواء المنع مطلقًا ... وبسط القول في الموافقات شارحًا وجهة نظره ومستدلاً لها ومدافعًا عنها؛ حتى يخيل للقارئ أن الأبواب والنوافذ قد أوصدت جميعًا في وجه الترخيص والقائلين به. ولا غرو فقد انفرد دون سائر الأصوليين والفقهاء في بسط القول واستقصاء الأدلة وضرب الأمثلة؛ كيف لا والقسم الأكبر من كتابه الموافقات قد بناه على هذه المسألة.

ويبدو واضحًا أنه في عرضه ذلك تراه مدافعًا عن الشريعة الإسلامية بالشريعة الإسلامية.. وكأني به لاحظ شطر القضية ألا وهي الشريعة.. وبقي أن نلاحظ الشطر الثاني ألا وهو المكلف بالشريعة.

فيا ترى ونحن نوصد الباب في وجه تتبع الرخص بقطع النظر عن أحوال المكلفين.. كأننا قد واجهنا أيضا نصًا شرعيًا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وما دام الأمر منوطًا بالمجتهدين قبولاً وردًا.. استدلالاً ومناقشة.. فلنتوجه إليهم لنقف على أقوالهم في المسألة.. ولنبدأ بالإمام الشاطبي حيث يقول:

١- متى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار وهذا مناقض لقصد الشريعة.


(١) الشوكاني: إرشاد الفحول ص ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>