للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامي الذي لم يلتزم مذهبا معينا

قال الآمدي وابن الحاجب:

لا يرجع المقلد فيما قلد أحد المجتهدين فيه، أي عمل به اتفاقًا.

وجه هذا القول: أن المقلد العامي بالتزامه مذهب إمام مكلف به ما لم يظهر له غيره، والعامي لا يظهر له بخلاف المجتهد حيث ينتقل من إمارة إلى إمارة (١) .

وقال الزركشي: خالف الآمدي وابن الحاجب فيما ذهبا إليه حيث قال: ليس كما قالا، وفي كلام غير الآمدي وابن الحاجب ما يقتضي جريان الخلاف بعد العمل أيضًا، وأضاف: كيف يمتنع الرجوع إذا اعتقد صحته.

وفصل بعضهم فقال: التقليد بعد العمل – إن كان من الوجوب إلى الإباحة ليترك؛ كالحنفي يقلد في الوتر. أو كان التقليد بعد العمل من الحظر إلى الإباحة ويترك؛ كالشافعي يقلد في أن النكاح بغير ولي جائز – والفعل والترك لا ينافي الإباحة. واعتقاد الوجوب أو التحريم خارج عن العمل وحاصل قبله فلا معنى للقول بأن العمل فيه مانع من التقليد.

وإن كان بالعكس: فإن كان يعتقد الإباحة يقلد في الوجوب أو التحريم فالقول بالمنع أبعد، وليس إلا هذه الأقسام (٢) .

ورجح الإمام العلائي القول بالانتقال في صورتين:

أحدهما: إذا كان مذهب غير إمامه أحوط: كما إذا حلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء، ثم فعله ناسيًا أو جاهلاً، وكان مذهب إمامه عدم الحنث، فأقام مع زوجته عاملاً به ثم تخرج بقول من يرى فيه وقوع الحنث، فإنه يستحب الأخذ بالأحوط والتزام الحنث.

الثانية: إذا رأى للقول المخالف لمذهبه دليلاً قويا وراجحًا، إذ المكلف مأمور باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.

وهذا موافق لما روي عن الإمام أحمد والقدوري وعليه مشى طائفة من العلماء، منهم ابن الصلاح وابن حمدان (٣) .

قال الآمدي: مسألة:

إذا اتبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث، وعمل بقوله فيها.

اتفقوا على أن ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره.

سؤال: وهل لهذا العامي اتباع غير ذلك المجتهد في حكم آخر؟.

اختلفوا فيه: فمنهم من منع منه، ومنهم من أجازه وهو الحق، نظرًا إلى ما وقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة، وإن لم ينقل عن أحد من السلف الحجر على العامة في ذلك، ولو كان ذلك ممتنعًا لما جاز من الصحابة إهماله والسكوت على الإنكار عليه، ولأن كل مسألة لها حكم نفسها، فكما لم يتعين الأول للاتباع في المسألة الأولى إلا بعد سؤاله فكذلك في المسألة الأخرى.

- أما إذا عين مذهبًا معينًا كمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو غيره وقال: أنا على مذهبه وملتزم به، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟


(١) الكمال بن الهمام: تيسير التحرير ٤ / ٢٥٣ وعليه أمير باد شاه.
(٢) الكمال بن الهمام: تيسير التحرير ٤ / ٢٥٣ وعليه أمير باد شاه.
(٣) أمير باد شاه: تيسير التحرير ٤ / ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>