للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العز بن عبد السلام:

ومن قلد إمامًا من الأئمة ثم أراد تقليد غيره فهل له ذلك؟

فيه خلاف والمختار التفصيل:

فإن كان المذهب الذي أراد الانتقال إليه مما ينقض فيه الحكم، فليس له الانتقال إلى حكم يجب نقضه فإنه لم يجب نقضه إلا لبطلانه. فإن كان المأخذان متقاربين جاز التقليد والانتقال، لأن الناس لم يزالوا من زمن الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب الأربعة يقلدون من اتفق من العلماء من غير نكير من أحد يعتبر إنكاره، ولو كان ذلك باطلاً لأنكروه.

وكذلك لا يجب تقليد الأفضل وإن كان هو الأولى، لأنه لو وجب تقليده لما قلد الناس الفاضل والمفضول في زمن الصحابة والتابعين من غير نكير. بل كانوا مسترسلين في تقليد الفاضل والأفضل، ولم يكن الأفضل يدعو الكل إلى تقليد نفسه. ولا المفضول يمنع من سأله عن وجود الفاضل، وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل (١) .

قال التفتازاني:

١- عمل العامي بقول مجتهد في حكم مسألة فليس له الرجوع عنه إلى غيره اتفاقا.

٢- وأما في حكم مسألة أخرى، فهل له أن يقلد غير المجتهد الذي استفتاه؟ المختار جوازه.

لنا القطع بوقوعه في زمن الصحابة وغيره، فإن الناس في كل عصر يستفتون المفتين كيف اتفق، ولا يلتزمون سؤال مفت بغية هذا، وقد شاع وتكرر ولم ينكر.

فلو التزم مذهبًا معينًا – وإن كان لا يلزمه كمذهب مالك ومذهب الشافعي وغيرهما – ففيه ثلاثة مذاهب.

أولها: يلزم.

وثانيها: لا يلزم.

وثالثها: أنه كالأول وهو من لم يلتزم. فإن وقعت واقعة يقلده فيها فليس له الرجوع، وأما غيرها فيتبع فيها من شاء (٢) – اهـ

القائلون بمنع التلفيق وأدلتهم

استدل القائلون بمنع التلفيق مطلقًا بقاعدة أصولية مفادها أن الإجماع يمنع إحداث قول ثالث إذا اختلف الفقهاء في حكم مسألة على قولين.

فعند الأكثرين لا يجوز إحداث قول ثالث ينقض ما كان محل اتفاق، كعدة الحامل المتوفى عنها زوجها فيها قولان:

وضع الحمل، وأبعد الأجلين. أي وضع الحمل أو أشهر العدة المنصوص عليها في القرآن الكريم.. أو ثلاثة قروء..، فلا يجوز إحداث قول ثالث: إن عدتها بالأشهر فقط.

الرد: بعد التأمل يتبين أن هذه القاعدة والمثال ليست محل النزاع، لأن موضوع إحداث القول الثالث يفترض اتحاد المسألة بينما في التلفيق المسألة متعددة.

ثم بناء على الرأي المختار لم يكن في مسألة التلفيق ناحية متفق عليها، فالدلك في الوضوء مسألة كانت موضع اختلاف بين الأئمة، أما النقض باللمس فمسألة أخرى، ومع ذلك أن كلا المسألتين محل اختلاف.. وعليه فالتلفيق فيهما لا يؤدي إلى ما هو المحظور – وهو خرق الإجماع إذ لا إجماع تحقق حتى يقال بالتلفيق قد خرق.


(١) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام ٢ / ١٥٩.
(٢) التفتازانى: على ابن الحاجب ٢ / ٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>